لم يكن مفاجئاً هذا الحضور الكبير والموسوم بقيادات الدول جميعها دون استثناء المؤثرة والفاعلة.. والدول الأخرى الصديقة على مستوى العالم خلاف الأشقاء العرب أهل البيت في عزاء الملك عبدالله رحمه الله وغفر له.. ولم يتوقف حضور الوفود على رؤساء وملوك أكبر الدول من أوروبا وأمريكا وإفريقيا.. بل تواصل حضور القيادات الأخرى من رؤساء وزراء ونواب وحتى من ابتعدوا عن السياسة لكن ظلت علاقاتهم الإنسانية مع المملكة كما هي لم تغيرها السياسة.. في الصورة يبدو الحشد وكأنه يكتب قراءة جديدة للتاريخ.. أقصد تاريخنا نحن وكيف سنتعامل مع مفردات الصورة بعد انتهاء الحدث..! لاشك أن هذا الحضور عكس مكانة الممملكة وقدرتها الكبيرة وهذه السياسة الهادئة والناعمة في نفس الوقت التي استطاعت أن تحشد كل هؤلاء من كل الأديان والأطياف السياسية والدول الكبرى والصغرى في مكان ومحفل واحد دون طلب أو تأكيد على الحضور.. كما أن الحضور أيضاً بهذه السرعة والكثافة ومن ضمنها الرئيس الأمريكي "أوباما" الذي قطع زيارته للهند والتي كان من المفترض أن يكون يوم الثلاثاء لها زيارة تاج محل لكنه اكتفى بما تم منها وتغير البرنامج ليحضر هو وزوجته إلى الرياض الثلاثاء ولتدخل في الزيارة مباحثات ثنائية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز. هذه الصورة التي لا ينبغي أن ننظر إليها من زاوية توافد الحشود فقط للتعزية أو لتأكيد العلاقات التي تربطنا بهم ولكن ينظر إليها كصورة متفردة من الصعب أن تعتادها وهي تعبر بهدوء على وجوه تألفها سياسياً ولكنك قد لا تتوقع أن تحضر لتشكل صورة قد لا تتكل على شبكة العلاقات التي أقامتها المملكة في كل هذه الدول سواء الاقتصادية أو المساعدات أو المنح أو الإنسانية ولكنها ترتبط بكل ماسبق يُضاف إليه هذه القدرة المتواصلة على التوازن في العلاقات الخارجية على مدى عقود طويلة وفي أمكنة متعددة والمحافظة عليها.. والتمسك بمكونات هذه العلاقات مهما كانت متباينة بوصفها إشارة إيجابية ينبغي التعامل معها..! على مدار خمسة أيام ظلت المملكة مركزاً للضوء وهي التي كان هناك في الخارج من لديه ضبابية للمشهد الداخلي في العديد من أنحاء العالم وخاصة بعد وفاة الملك عبدالله.. ولكن التنظيم السريع وترتيب البيت من الداخل بجملة المراسيم رسم الأفق المستقبلي بإشارات إيجابية واضحة وفتح ماكان يعتقد خارجياً بأنه قد يُنتج أمراً غير متوقع. نحن أمام مرحلة مهمة عكسها ماجرى في الأيام الماضية من هذه الحشود الكثيفة والهامة وهذا الالتفاف الدولي.. وانتقال السلطة بسلاسة وهدوء وتداخل الجيل الثاني لاستمرارية التغيير بهدوء واستشراف للمرحلة.. التي تبدو أنها مليئة بالمهمات المتعددة الداخلية والخارجية.. خاصة أن المنطقة بدءاً من حدودنا الإقليمية تقيم أغلبها على صفيح ساخن من الاضطرابات وغياب مفهوم الدولة الحقيقي ونشوء أنظمة لم تستقر وانهيار بعض الدول وتحولها إلى كنتونات صغيرة تتحكم فيها جماعات إرهابية أو تلك التي تحكم خارج نظام الدولة.. والشرعية ولعل اليمن ذلك الملف الأثقل والذي يبدو وكأنه المسؤولية الكبرى للملك سلمان بن عبدالعزيز وهو بحكمته وخبرته في المنطقة بالتحديد وعلى مدى عقود يستوعب ويدرك مهمة هذا الملف وبوسعه إدارته بهدوء وتوازن.. لأنه عاصر وعاش كل متغيرات المنطقة وهو العروبي بامتياز.. كما أنه عبر على كل تلك الأزمات الطويلة المدمرة والمعتدلة ورصدها بخبرته وهدوئه من منطلق سياسة المملكة المتوازنة والتي تراعي مصالحها وحدودها وما يخدم الأمتين العربية والإسلامية. أخيراً هذا التقدير من كل العالم للمملكة وشعبها وهذه الصورة المهيبة التي لايزال يحتضنها قصر الحكم من المعزين ومن القراءة المتأنية التي لا يمكن أن تقرأ كما هي تستنطق القادم قبل أن تعكس الماضي أو مانحن عليه من أهمية على مستوى العالم من خلال شراكتنا له كقوة فاعلة تساهم في الاقتصاد العالمي والتواصل الإنساني والتفاهم معه بصيغة متصلة وليست طارئة أو محدودة. دهشة هذا الحضور لمن لم يعتقده لا تتوقف عند ذلك بل هي تُضاعف مسؤوليتنا أمام العالم كقوة فاعلة حقيقية.. وتفتح أبواب الحاضر المضمون للتقدم للأمام من خلال استثمار هذا الحضور للتواصل معه بمسؤوليات ومتطلبات التنوير والمعرفة والقفز خطوات بقواعدنا ومعاييرنا وسياستنا المتوازنة على مدى عقود.