في يأس من الأفكار أغلقتُ الجهاز ومضيت لوضع الغداء، قررت أن أزيح عن بالي الكتابة حيث مررت بمواضيع كثيرة تصلح للكتابة، وأخاف من ان تحجر، سأدعها خارجا ودخلت الغرفة، شيء ما يطقطق، بسم الله!! عصفور صغير يقفز من ضلفة لأخرى من الشباك، ثم يضرب الزجاج. أفرحني هذا المخلوق الجميل، رأيته الفكرة التي جاءت من الله، تزقزق فرحة بهذا المخلوق الجميل إلا أنه راعني الأمر، وعطفت على هذا الأسير، كلانا يا صغيري أسرى .. فأنا أقبع بين الجهاز والحائط، أشعر بارتجاف قلبه الصغير، أجدني أخاطبه : (قل بسم الله الرحمن الرحيم، لا تخف). يستكين أمد يدي مبسوطة نحوه، أنتظر أن يفاجأني بالصعود على راحتي المبسوطة له فأحسه يسير بذبذبات صغيرة ونغزات جميلة الى كفي المفتوحة، لكنه لا يبالي بها، ساكنا لا زال، تبرق عيناه الصغيرتان ويرتجف منقاره، أمد يدي أمسكه، لا يتحرك بين يدي يبقى مستسلما لي .أحس رجفة دقات قلبه. أشربه ماء يشرب يهز رأسه الصغير، أحسه جذلا، أفرح أفتح الشباك وأقول له هيا انطلق، يبقى سكنا. أشك أنه لا يقدر على الطيران أضعه على حافة الشباك وأغلق الزجاج، أعود حاملة له فُتات خبز مبلول، لا يلتفت له أضع قطعة صغيرة في منقاره، يترك منقاره مفتوحا، أمسد على ظهره أشعر أنه يعطيني حبا وهدوءا، وسكينه جميلة، أتمنى ألا يفتح أحد الباب، فيقطع خلوتي معه. أنظر له أشعر أنه يمنحني شيئا جميلا. هو لا يعلم كم أفرحني وأي راحة منحني، تماما كما الشمس الجميلة التي تمنحنا الدفء والسعادة دون أن تعرف ذلك. استحثه ليمنحني أكثر وكأنه سيكلمني، أتمنى أن يمنحني نغمة يطلقها. ساكن هو..، وسط هذه الأحاسيس يفاجئني ويطير بعيدا تغطيه أشجار الحديقة عني، يترك لي ابتسامة ورضا كأنه مسح على قلبي.. أحس أنه منحني شيئا ما لا أدري كنهه. وكما أتى فجأة ذهب فجأة طار كلوح قوس قزحي بان وغاب. ورحت أسأل نفسي، هل كان فعلا موجودا، أم هو كان طيفا مر بي نتيجة ضيق يحيط بي؟ فكان خيالا ثم مضى، طار كما تطير الكثير من الأحلام التي إن لم نلحقها ونحول الحلم لفكرة والفكرة لمخطط والمخطط يكون واقعا.. وهل عندما نمسك الأحلام ونجعلها واقعا، فنقيد الحلم ذاك يتبخر جماله. هذا المقال ما كان ليكون لولا هذا الحلم الجميل الذي مر ظهرا علي، وحملني مرة أخرى للجهاز فأكتبه.. هو حلم مر كما تمر ريح طيبة ملونة كمجوعة ورد تناثر. كم من حلم جميل يمر فلا نمسكه لنحتفظ بذكراه حيا جميلا في دواخلنا.. هل ممكن أن نرسم أحلاما تفرحنا تصعد بنا الواقع المؤلم إلى حلم وردي نمسكه ليكون واقعا يزرع ورودا، وتطير عصافيره بين الأشجار وتلعب فراشاته جذلى؟!