كانت أشبه ما يكون بخنجر ينفذ في الخاصرة، تلك اللحظة التي وقعتْ فيها عيني على الخبر الذي نشرته "الرياض" على موقعها الالكتروني مساء الاربعاء 14/1/2015 م، حول التوجيه الذي أصدرته الملحقية الثقافية السعودية في اليابان، وتضمّن مجموعة من التعليمات والقواعد التي تطلب من المبتعثين التقيد بها، ومن بينها التشديد على عدم ارتداء الزي السعودي في الأماكن العامة فيما عدا المناسبات الرسمية التي تُقام بإذن السفارة أو الملحقية، أو خلال المناسبات الثقافية في الجامعات ومعاهد اللغة، كما نصحتْ المبتعثات والعائلات السعودية بالسير والتواجد في مجموعات أو مع محارمهن، وتجنب السير بمفردهن قدر الامكان، وذلك حرصا على أمنهم وسلامتهم. يا الله .. من الذي شوّه صورتنا إلى هذه الدرجة بحيث أصبحنا نخشى أن نُعرف بهويتنا الوطنية في البلدان الأخرى ؟ من هم أولئك الذين هشَموا صورة السعودي المتسامح، والطيب، والودود، والذي تسعى كل مجتمعات الدنيا لخطب وده سائحا سخيا، وطالبا مسالما وخلوقا ؟ من هم أولئك الذين دفعوا إحدى سفاراتنا وملحقياتنا من باب الخوف علينا، وصيانة أمننا الشخصي إلى الإيعاز لنا بالتحلل من لباسنا، والتخفي بالقميص والجينز، والسير زرافات لنحتمي ببعضنا، بدلا من أن نسير كما نشاء مرفوعي الرؤوس بملابسنا التي نعتز بها؟ نعم .. قد تكون الملحقية عمّمتْ هذه التعليمات من باب توخّي الحذر فقط، نتيجة لحالة الاحتقان السائدة، ما جعلها ومن منطلق الاحتياطات الاستباقية تلجأ إلى اتخاذ هذه التدابير الوقائية، لكن لا بد وأنها لمستْ شيئا ما في المزاج العام هناك ما دفعها لهذا التوجس الذي صرّحتْ به، وإلا لما اضطرتْ إلى تعميمه من الأساس لو لم تكن تدرك أن هنالك نوعا من الاستهداف الذي قد يُعرّض أمن وسلامة من تعلن ملابسه انتماءه إلى هويتنا الوطنية للخطر، لأن الأمر لو كان يتصل فقط بحالة انفلات أمني مثلا، فإنه حتما لن يُفرق بين من يلبس العقال أو من يلبس ال " تي شيرت "، ما يعني أن الملحقية توفرتْ على ما يكفي من الأسباب لنشر هذا التعميم في صفوف الطلاب المبتعثين، والعائلات السعودية الموجودة هناك على حد سواء . ومصدر انزعاجي كمواطن من هذا الخبر، أنه يحدث في المجتمع الياباني، ذلك المجتمع الشرقي الذي لم يدخل فيه أحد من مواطنينا في أي مواجهة معه، باستثناء تلك الحالات الفردية التي قد تحدث من أي مواطن ياباني أو أي مقيم هناك، وهذا ما يجعل السؤال عمّن شوّه صورتنا سؤالا مشروعا، ويستدعي البحث عن إجابة شافية، والموجع أكثر أنه يأتي بعد حادثة الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية، رغم أنه لا أثر لأي مواطن سعودي في هذه الحادثة التي رفضها السعوديون كما رفضها غيرهم، رغم استيائهم واحتجاجهم بشدة من تطاول الصحيفة على نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وبعد تبني قاعدة اليمن لهذه الحادثة، فهل أصبحتْ حتى تلك المجتمعات النائية تُحمّلنا كسعوديين ربما بحكم مركزيتنا في العالم الإسلامي وزر الإرهاب المتنقل من مكان لآخر، وأوزار وشرور القاعدة التي تجرع السعوديون منها قبل غيرهم أقسى المرارات، وبادروا في مواجهتها بعد إدانتها، ودعوا العالم أجمع وفي وقت مبكر إلى توحيد الجهود لاستئصال تلك الغدد السرطانية التي تقتل المسلمين كما تقتل غيرهم، ولعلها أوغلت في الدم المسلم أكثر مما ولغتْ في دماء الآخرين. ترى .. هل سيُسعد هذا الخبر بعض شبابنا ممن انزلقوا إلى ذلك الحضيض الإرهابي المخزي، الذي اختطف المواطن السعودي إلى خانة التهمة، وجعله يضطر لأن يتنكر في لباس الآخرين تجنبا للأذى والانتقام أو على الأقل المضايقة والاستفزاز ليتم دراسته أو علاجه أو حتى سياحته ؟ وليقلب صورته رأسا على عقب كما لو كان طريدا لكل مجتمعات الدنيا؟ الأمر في تقديري أخطر من أن يكون مجرد تحذير وقائي، وهذا ما يستدعي جهدا وطنيا مخلصا على كافة المستويات الفكرية والأمنية والإعلامية لاسترداد صورتنا التي تعرضتْ للعبث .