"إذا قلت شيئاً ضد اليهود فأنت معاد للسامية، وإذا تكلمت ضد السود فأنت عنصري،أما إذا كان الكلام ضد المسلمين أو الآسيويين أو سكان أمريكا اللاتينية فهو حرية تعبير! إما أن تكون حرية للكل أو لا.." هذه عبارات أحد المعلقين الغربيين على خبر قيام الصحيفة الفرنسية التي تعرضت للهجوم الإرهابي البشع بإصدار العدد الأول بعد الهجوم وعلى غلافه صورة ساخرة بالرسول صلى الله عليه وسلم كنوع من التحدي للتطرف الدموي. وأنا أتساءل عن هذه العقلية الصبيانية المستكبرة التي تصر على اللعب بالنار؟ وعن التشديد على حق الحرية في التعبير في الوقت الذي لا نسمع من يغضب لسلب الإنسان في مناطق أخرى حقه في الحياة، ولا نرى من ينتفض لطفل يموت من البرد؟ أسأل عن حرية التعبير وهل هي وسيلة أم غاية؟ وعما إذا كان الغرب لا يشعر بمخاطر مثل هذا العبث بالرغم من انتقاد وتساؤل البيت الأبيض عام 2012م حول نشر مثل هذه الرسوم وتوضيحه أن التشكيك والتساؤل ليس عن الحق في نشرها، ولكن عن المخاطر التي من المحتمل أن تنتج عنها مثل تلك الرسومات. الحق في حرية التعبير مرتبط بالانضباط والتعقل والمسؤولية، وممارسة التعبير بحرية مهارة لها قواعدها وأصولها، وإذا كان الهدف من التعبير بحرية هو توصيل رسالة للآخرين ليسمعوها فإن التعبير بطريقة مسيئة لن يحقق الهدف، ومن يصر على التعبير المسيء فليتوقع من الآخرين الشيء نفسه، فحرية التعبير تسير باتجاهين وليس باتجاه واحد. حرية التعبير قيمة عالية وحق للإنسان لا يجوز مصادرته ولاخرقه، ولكن عدم التوازن في استخدامه يستفز الآخر وينتهك حقوقه. في صدد الجهود التي تقوم بها الحكومة الفرنسية للتصدي للإرهاب اقترح ساركوزي الرئيس الأسبق عدداً من التدابير، منها طلب المصادقة على تطبيق البرنامج الخاص بتسجيل أسماء وبيانات ومعلومات عن الركاب المسافرين من وإلى أوروبا رغم اعتراض البعض في الاتحاد الأوروبي لكونه ينتهك خصوصية الأفراد، كما طالب بعدد من الإجراءات المشددة التي قد تشكل ضغطاً على المسلمين الفرنسيين، ولا شك أن توجه الدول الغربية لوضع تشريعات وقوانين وإجراءات لحماية أمنها من حقها ولا اعتراض عليه، ولكن يجب أن يراعى تنفيذ ذلك بالتوازي مع احترام حقوق وحريات وكرامة الإنسان في كل مكان في العالم، والوقوف مع الشعوب المستضعفة ودعم مطالبها الشرعية بصدق، مع البحث في الأسباب وليس في الأعراض، وما لم تفعل ذلك فإن الإرهاب سيتنامى، وستخسر أكثر، وكلامي هذا ليس تبريراً للإرهاب، ولكنه تحذير من تحقيق مايريده الإرهابيون. الرسوم المسيئة للرموز والأديان والمعتقدات تعد شكلاً من أشكال خطاب الكراهية الذي يؤذي المشاعر ويشعل النار التي يكتوي الكل بها، وهو خطاب يتعارض مع العقلانية الغربية وقيمها، والمفترض أن تصدر قوانين في الغرب تحاسب عليه، فالسخرية بالرسل ليست حرية فكرية.