يوم الجمعة المقبل سيرفع القاضي الألماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري تقريره إلى مجلس الأمن .. وهذا الملف ما زال يشغل ليس الأوساط اللبنانية والسورية فحسب، وإنما يتعداها إلى العربية والدولية، فالقضية لم تعد قضية اغتيال شخص تقف وراءها جهة معينة إنما تعدتها لتصبح قضية من الممكن أن توجه من خلالها تهم تنعكس سلباً على المنطقة برمتها ولا تقف عند لبنان وسوريا فقط، هذا في حال أرادت جهات غربية التأثير على سير التحقيق وتسييسه لتحقيق مآرب موضوعة في الحسبان سلفاً. ولكن كيف يفكر العالم العربي تجاه هذا الملف، هل يتعامل معه بشفافية كاملة أو بتحيز كامل أو بحياد منطقي. في رأيي أن كل النقاط السالفة الذكر هي موجودة في الذهن العربي الذي يريد معرفة الحقيقة دون نقصان أو مواربة لأي من أطرافها، وهو في الوقت ذاته متحيز خوفاً من أن تجر المنطقة إلى ويلات أخرى هي في غنى عنها نتيجة اتهام أطراف خارج لبنان مثل سورية في المسؤولية عن اغتيال الحريري وبالتالي إلصاق تهم الإرهاب بها مع علمنا المسبق أن سوريا تتعرض لضغوط خارجية قوية تحاول إلصاق تهم بها هي منها براء مثل دعم الإرهاب، ولكن الشارع العربي يعرف أن تلك الضغوطات إنما تأتي في سياق دفع دمشق لإبرام اتفاق سلام مع تل أبيب وهو ما ترفضه دمشق ما لم يكن ذلك السلام عادلاً شاملاً يعيد الحق لأصحابه. أما المحايدون فهم فئة لا تريد إطلاق التهم جزافاً دون أدلة واقعية ملموسة تدين هذا الطرف أو ذاك، مع وجود رغبة لديها في أن تبقى القضية محصورة ضمن إطارها المنطقي دون إسقاطات على خلفيات سابقة أو استنتاجات تتعدى حدود المعقول إلى الخيال المنسوج بالأهداف السارحة ضمن حلم الشرق الأوسط الكبير. وجاء انتحار اللواء غازي كنعان ليفتح أبواباً جديدة للتكهنات وربط الأمور بالأمور بين التصديق أنه انتحر أو أنه بصريح العبارة قُتل، وفي كلتا الحالين يظل باب محاولة القراءة بين سطور الحقيقة مفتوحاً على مصراعيه وربما.. وأقول ربما أن يكون ميليس يملك جزءاً من الحقيقة وأجزم أن الحقيقة كلها لا يستطيع أن يصل إليها قاضي تحقيق واحد.