ارتفعت أهمية المؤتمرات على المستوى العالمي ووصلت إلى أعلى مستوياتها، وأصبحت هناك دلالات وقرائن على العلاقة القوية والمتلازمة بين الاقتصاد والمؤتمرات، وقد أدرجت الأممالمتحدة هذا النشاط كجزء مما يسمى ب"صناعة الاجتماعات" والتي عرفتها بأنها نشاط تجاري متخصص يقدم خدمة داعمة للحكومات والشركات والمنظمات، وقد ذكر تقرير أعده المجلس الدولي المشترك لصناعة الاجتماعات بأن عوائد صناعة الاجتماعات تعكس الحالة الاقتصادية العامة أكثر من نظائرها من القطاعات الأخرى في الاقتصاد. ومما لا شك فيه، بأنه على المدى البعيد، يرتكز الأثر الحقيقي من المؤتمرات بأن الدولة تتكبد خسارة هائلة إذا لم يقم فيها مؤتمرات تلبي احتياجات المحترفين العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة، والمستثمرين والتجار، والجمعيات المهنية والعلمية والطبية، والمؤسسات الأكاديمية، ويمكن توضيح ذلك بالتالي: أولا: على مستوى الاقتصاد الجزئي، ان عدم تسويق اقامة المؤتمرات وعدم وجود شريحة مؤهلة من جانب "الطلب" وهم ملاك المؤتمرات، سيؤثر سلبا على نشاط جانب "العرض"، وهم الموردون المباشرون (مثل شركات تنظيم المؤتمرات، شركات التوريد للمؤتمرات، وقاعات المؤتمرات) والموردون غير المباشرين: (مثل: خطوط الطيران، الفنادق والخدمات السياحية)، وبالتالي، فقدان فرص توظيف وعوائد اقتصادية تمس شريحة كبيرة من المستثمرين والمواطنين. ثانيا: على مستوى الاقتصاد الكلي، ان عدم وجود بيئة خصبة تساعد القطاعات الحكومية والخاصة والاكاديمية في اقامة مؤتمرات متخصصة يؤدي الى سفر المحترفين العاملين في تلك القطاعات الى دول أخرى لحضور المؤتمرات التي تمكنهم من الحصول على المعرفة الجديدة في مجال عملهم، وبالتالي سيحدث تسريب في الاقتصاد الكلي من خلال السفر الى دول أخرى لحضور المؤتمرات، وصرف هؤلاء المسافرين المليارات من الدولارات على الخدمات السياحية في الدول الاخرى. ثالثا: على مستوى الاقتصاد القائم على المعرفة، تساهم المؤتمرات في تنشيط الاقتصاد من خلال الاقتصاد القائم على المعرفة. فعندما يكون الاقتصاد في طور التراجع أو في حالة الركود يصبح هناك حاجة ماسة للتحفيز. وأفضل وسيلة لإيجاد هذا التحفيز هو من خلال زيادة التواصل بين العامة ومشاركتهم في عملية تطوير المنتج، والتطوير المهني، وتبادل الأفكار والتقنيات الجديدة، وهذا هو جُل ما تقوم به المؤتمرات. رابعا: على المستوى الثقافي، تلعب المؤتمرات دوراً محورياً في جلب الخبراء وتوطين المعرفة وإكساب الكفاءات الوطنية بالعلوم والخبرات الجديدة والممارسات المهنية المطورة. فالمؤتمرات تعدّ وسيلة متميزة في تبادل المعلومات وتطوير قدرات الأشخاص العاملين في جميع القطاعات الاقتصادية، وأيضاً وسيلة فعالة في تبادل الثقافات وإبراز الحضارات وإحياء التراث. وهناك بالتأكيد أثر ثقافي كبير للمؤتمرات على المدى البعيد. خامسا: على المستوى الاجتماعي، تعد المؤتمرات بيئة خصبة لمساهمة المجتمع فيها، من خلال عمل الشباب المتطوعين في تنظيم المؤتمرات، ومشاركة الاسر المنتجة في تقديم منتوجاتهم كهدايا للضيوف. وكذلك يمكن للمؤتمرات أن تؤثر على سلوك المجتمع على المدى البعيد، وتعزيز الوعي في موضوعات متخصصة، وكذلك يمكن للمؤتمرات أن تساهم في تنمية رأس المال الاجتماعي وتماسك المجتمع من خلال عمليات التواصل التي تحدث في المؤتمرات. سادسا: على المستوى السياسي "دبلوماسية المؤتمرات"، من المهم اقامة المؤتمرات الحكومية سواء محلية أو دولية بتخطيط استراتيجي كي لا يؤدي ذلك على المدى البعيد الى فقدان الفرص في تطوير السياسات، وتعزيز المكانة السياسية، وتطوير العلاقات مع الدول الاخرى، وتسويق مشاريع الدولة، والتسليط الاعلامي الايجابي، وغيرها من الاثار السياسية التي تعد المؤتمرات أداة رئيسة في انتاجها. سابعا: على المستوى الصحي، ان تطوير اقامة المؤتمرات المتخصصة في مجال الطب والصحة، سيساهم على المدى البعيد في رفع كفاءات العاملين في القطاع الطبي، ورفع الوعي عن موضوعات صحية، مما يؤدي على المدى البعيد الى تطوير صحة المجتمع. ثامنا: على المستوى البيئي "الاستدامة"، هناك أثر بيئي سلبي على المدى البعيد من خلال استهلاك المؤتمرات الكثير من المواد غير القابلة للتدوير، واستخدام الماء والطاقة، مما يؤدي الى التصحر وانبعاث الكربون واستهلاك الأشجار، لذا الى اي حد يمكن استهلاك الموارد الطبيعية من خلال المؤتمرات من دون التأثير على الموارد الطبيعية التي ستتوفر لأجيالنا. وأخيراً، إن أفضل الحلول للمشاكل تأتي بالعمل الجماعي، وهذا ما تحققه المؤتمرات، وعليه هناك أسباب كثيرة تجعل المؤتمرات ذات أولوية سواء في حالة الانتعاش أو الركود الاقتصادي أو على المدى القصير أو على المدى البعيد.