كل الدول المتقدمة وذات الاقتصاديات الكبيرة كالاقتصاد السعودي لديها مؤسسات ومراكز تخطيط وأبحاث اقتصادية عديدة لتطوير البحث العلمي وذلك لخدمة التنمية الشاملة والمساهمة في المحافظة على الثروات وصناعة الرؤية الاقتصادية المقبلة وبما يساعد على التخطيط الاجتماعي للدولة وفقا للحاجات المستقبلية، بحيث يكون هذا التخطيط شاملا الموارد المالية والاقتصادية والبشرية والقدرات الإدارية في ظل رؤية يطمح ولاة الأمر الوصول إليها وبما يلبي احتياجات وملامح الاقتصاد الجديد ومتطلباته. أول متطلبات التخطيط للمستقبل هو التوظيف الأمثل للموارد المالية والاقتصادية والاستعانة بالكفاءات الإدارية المؤهلة لإدارتها، لان التخطيط للمستقبل يتضمن إعداده و تعزيزه بكوادر وطنية شبابية متحمسة وذات تعليم عال. النظر في التوظيف الأمثل للموارد البشرية والكفاءات الإدارية وهو ما يتطلب ضمان زيادة الاستثمار البشري لتأهيل المواطنين وتدريبهم وضمان تعليمهم المتواصل، وتطوير منظومة التشريعات الاقتصادية والرقابية والشفافية المالية، وتأسيس مراكز دراسات وأبحاث علمية موازية تقوم بادوار حقيقية ووجود جامعات مستقلة تتواءم أهدافها مع مخرجاتها، ويكون لخططها الإستراتيجية أثر على السلوك الاقتصادي للمجتمع، من خلال تفعيل العلاقة بين الجامعة ومؤسسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والانتقال من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الادخار والتوفير بما يؤدي إلى إعادة بناء الدورة الاقتصادية للدولة والمجتمع. ما يلفت الانتباه أن الثقافة الاستهلاكية هي آمر سائد لدى الجميع المواطن والمسؤول، وهذا يتطلب ترشيدا في الاستهلاك قبل أن نصدم بمتطلبات المستقبل بزيادة عدد السكان والبطالة وارتفاع الأسعار الحادة وتآكل الدخول ومخاطر الاقتراض غير الإنتاجي، فالقروض المتعثرة والتي تزيد على (200 مليار ريال سعودي) لها مدلولات اقتصادية كثيرة ولها آثار اجتماعية سلبية، والدولة لن تبقى للأبد مؤسسه ضمان اجتماعي، حيث أن التفكير في المستقبل ليس مهمة الدولة فقط، بل مهمة المؤسسات الخاصة والمدنية والخبراء والمستشارين وصناع الرأي مما يدفع إلى تعزيز المشاركة الجادة من القطاع الخاص في سياسة التخطيط الاقتصادي والاستراتيجي. لقد آن الأوان لتأسيس مركز متخصص للأبحاث الاقتصادية المستقبلية يشارك فيه جميع الخبراء والمتخصصين والمعنيين بالاقتصاد الوطني ويركز على إستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي، ويهدف إلى تحسين أحوال المجتمع وتحقيق النمو ومعالجة التضخم ورسم السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية للمملكة، وتعزيزها بالكوادر الوطنية الواعية ذات المهارات العلمية المتخصصة في الإدارة والمال والاقتصاد، بحيث تكون خاضعة لامتحان الكفاءة المهنية كمعيار أساسي للتوظيف، حيث أن دورة الاقتصاد تفرض تحريكا حيويا في الإدارات العليا والتنفيذية خاصة على المشرفين على المال والنقد والاقتصاد، وهذا بالطبع سيسهم في وضع حلول كثيرة من القضايا مثل السياسة النقدية والمالية وأسباب تدهور العملة وارتفاع الأسعار والتضخم وكسر حاجز البطالة وتحسين دخل الوطن والمواطن. * مستشار مالي عضو جمعية الاقتصاد السعودية