(7 يناير 2015 م)، تصحو فرنسا على عملية إرهابية تنال من إحدى صحفها الأسبوعية الشهيرة (CHARLIE HEBDO) والمتخصصة في الرسم الكاريكاتوري. تنتهي هذه العملية بعد (3) أيام بمقتل (20) مواطناً فرنسياً بمن فيهم الإرهابيون الثلاثة، فماذا وراء هذه العملية؟ وما هي تداعياتها؟ لماذا شارلي إيبدو؟ نعلم أن هذه الجريدة عُرف عنها الإساءة إلى الأديان والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وذلك من منطلق حرية التعبير المكفولة لهم بموجب القانون الفرنسي، وبطبيعة الحال، لا نتفق كمسلمين مع نهج الجريدة الذي سمح لنفسه بالتطاول على قُدسية الأديان، والنيل من رموزها، ولإدراك الحكومة الفرنسية بخطورة نهج الجريدة الذي قد ينال من استقرار الجمهورية، طلبت عدة مرات من مسؤولي الجريدة تجنب إصدار رسوم كاريكاتورية تسيء للأنبياء، نظراً لحساسيتها الشديدة سواءً للمسلمين أو المسيحيين أو اليهود، إلا أن القائمين على هذه الصحيفة أصروا على الاستمرار في إصدار هذه الرسومات، وهنا نتساءل هل حمل السلاح وقتل (17) مواطنا فرنسيا، يعالج توجه الصحيفة أو يوقفها ؟ وهل القتل ينتصر للأنبياء والأديان؟ وأقول وبكل وضوح، لا بل على العكس تماماً، فها هي الصحيفة التي كان يصدر منها عدد (50) ألف نسخة فقط، تتهيأ الأسبوع القادم لإصدار مليون نسخة ورقية، بزيادة (950) ألف نسخة، ولك أن تتخيل أخي الكريم أعداد المتصفحين للنسخة الرقمية، والدعاية العالمية التي حصلت عليها هذه الصحيفة. إن هذه العملية يرفضها الإسلام ويتبرأ منها، وأياً من كان يقف وراءها فنقول له، إن الفكر لا يحاربه إلا فكر، والقلم لا يوقفه إلا قلم، والإعلام المسيء يُواجه بإعلام مضاد، الإرهاب آفة العالم، وحيلة الجاهل. إن الخطاب الأول للرئيس الفرنسي فرانسوا هولا ند بعد إبلاغه بالهجوم على مقر الصحيفة، حمل من الحكمة والإنصاف للإسلام، فكان أول من برأ الإسلام من هذه العملية الإرهابية، وكأني به يُنبه حكومته والشعب الفرنسي بل والعالم أجمع من الوقوع في شرك الإرهاب والإساءة إلى الإسلام المعتدل والمسلمين الوسطيين الذين يمثلون أحد مكونات المجتمع الفرنسي، وسار على نهجه رئيس الحكومة وقادة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، فلم أسمع أي سياسي أو إعلامي وجه لوماً للإسلام أو حرض على المسلمين في فرنسا، وهو ما انعكس على وحدة الشارع الفرنسي في مواجهة هذه الأزمة. إن المسلمين في فرنسا، وأنا من عاش معهم خمس سنوات، حاصلون على حقوقهم كاملة، يُعاملون باحترام، تُراعى واجباتهم الشرعية، في الشركات وفي المقرات الحكومية وفي ثكنات الجيش، تُهيأ لهم الأماكن المناسبة لإقامة الفرائض، وتُراعى أوقاتهم في شهر الصيام، أيام أعيادهم مُحتفل بها، قانون يكفل لهم حقوقهم دون تمييز، وقضاء عادل كان لي معه تجربة. إلا أني لا أستبعد (وأتمنى أن أكون مخطئاً) في الأسابيع والأشهر والسنوات القادمة، استغلال هذه الحادثة بعد هدوء العاصفة من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة، أو تعرض المسلمين في فرنسا، لإساءة من قبل (الحمقى) الذين لم يستوعبوا رسالة الرئيس ولم يدركوا أهمية وحدة الشعب، وهم بذلك والإرهابيون سواء، في إساءتهم للأديان، والنيل من استقرار الدول. إن عملية شارلي إيبدو ليست العملية الإرهابية الأولى التي تنال من أوروبا، ففي عام (2007م)، دكتور بريطاني، ينتمي لتنظيم الدولة، يهاجم مطار جلاسكو في اسكتلندا، وفي عام (2010م)، تيمور عبدالوهاب ينفذ عملية تفجير في ستوكهولم في السويد، وفي عام (2014م)، مهدي بنموشة ينسف متحفا في بروكسل، وفي نفس العام تمتد يد الإرهاب لمهاجمة البرلمان الكندي، وفي (15 ديسمبر 2014م)، ينتقل الإرهاب عبر القارات ليضرب سيدني بعملية احتجاز رهائن، وبعد ذلك بعشرين يوماً يعود إلى منطقة الشرق الأوسط لتنفيذ عملية عرعر، يتبعُها بعد يومين فقط بعملية باريس؛ لذا فنحن أمام حرب عالمية معلنة ومفتوحة مع الإرهاب، تمتد من أستراليا وتمر بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وصولاً إلى أمريكا إن كافة دول العالم تدفع ثمن عدم استجابتها الفورية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، الذي استشرف المستقبل واستشعر الخطر، قبل عشرة أعوام تقريباً، بمبادرته في مارس (2005م)، لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، يتم من خلاله تبادل المعلومات الاستخبارية، والبيانات المالية، بين الأجهزة الأمنية العالمية، لتنفيذ ضربات استباقية بجهد دولي موحد. لم يستوعب قادة دول العالم ما رمى إليه خادم الحرمين، ولم يتمكنوا من رؤية ما رآه، ولم يسعفهم مستشاروهم في تفكيك شفرة المبادرة، وها هم اليوم يستوعبون مقصد الملك عبدالله ولكن بثمن غال.