في الجزء الاول تناولنا القول كيف أن الشاعر يجد في الميدان الأدبي عموما والشعري خاصة الكثير من الخيارات التي يتنقل بينها ، محاكيا ومضمنا ومقتبسا من منتج قيل ، وبرؤية يراها ، ذات تميز في مبناها أو معناها، متأثرا بها ومؤثرا فيها، معيدا ومضيفا . يستخدم الشاعر أسلوبه وينتهج أساليب البيان وبلاغة الأداء والعطاء ، من تضمين الأمثال والحكم واقتباس شيء منها . سعد بن جدلان محمد الدحيمي ويمتد الموضوع كما بدأ ، والمحيط واسع والساحة مليئة والأمثلة كثيرة ، وكلها تقدم بين يدي المتلقي مشاركات المبدعين . يقول الشاعر عبد العزيز الفراج : يقول المثل [ما ينفع الصوت عقب الفوت ] ولي قصةٍ هذا المثل ما يمثلها وانا والله اني يوم اغني واجر الصوت اخفف همومٍ بين الاضلاع شايلها همومٍ تجيني فالمساء والعباد خفوت ليا اقبل ظلام الليل قمت اتخايلها والمثل الشعبي معروف ، وهو : عقب الفوت ما ينفع الصوت ، وهو يضرب للشيء يفوت فلا يمكن تداركه. وإيراد المثل يقرب المعنى رغم وضوحه في الأبيات بالإضافة إلى بيان ثقافة الشاعر في هذه الناحية. ويقول الشاعر راشد الخلاوي : لا تستشير الا صديق يودك في الله صافي السر مامون عاقبه وترى [شور ما لا يستشيرونه الملا شمعه نهار في ضيا الشمس ذايبه] وترى النصايح في البرايا فضايح وكم ناصح اضحى له الناس عايبه ويتضح في الأبيات تضمينها المثل الشعبي الذي يقول : شور من لا يستشار مثل السراج في النهار . وقد عرف عن الخلاوي تمسكه بكل ما يوصل إلى النصح والمشورة و الحكمة ومن البديهي أن يورد المثل الشعبي الذي يعرف في زمنه لتقدير الشاعر مثل هذا الأسلوب . وأما الشاعر غازي الشيباني فيقول : ما طار وقع من مطيره ولو حام والزود مثل النقص ينقص ولو زاد دنيا تغر الناس في طول الاحلام ولابد ياصل شرها بين الاجواد ياماشي بالدرب مسرى ومجهام لابد من عقب المراويح معواد احد قضى زامه واحد مسك زام واللي صدر منها يجي غيره اوراد وهنا يورد الشاعر المثل الشعبي : من طار وقع ، وقد ورد في الفصيح: سويلم العلي ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع .كما أورد الحكمة القائلة : الزود كالنقص. وأما الشاعر سويلم العلي السهلي رحمه الله ، فقد ضمن أبياته معاني أشار إليها في قوله ( على ما قال الأول ، أو ( على ما قيل ) : ألا يامل قلب ما يطيع الهرج في خله على ما قال الأول [ما يطاوع شور عذالي] أعقد حجاجي لغيره وهو لا جاني أفله على ما قيل [ما يمحى هوى الأول هوى التالي ] وأهل الدمع من شانه وأجاحد تقل ماهله ولا أبالي و انا المجروح وهواللي على بالي ألا ياتل قلبي تل من تل اليدا كله تمادى يقلط المحار في غبات الاهوالي يتل السيب وامهل له ياليت السيب ما امهل له على ماقيل [يبي المال وأرخص عمره الغالي] وتكرار الشاعر بعد البيت بأنه على ما قال ، أو على ما قيل ،هو تعبير عن محاكاة لقول سابق ، يتم استقاء معناه دون نصه الكامل ، و إيراد معناه المتداول المعروف في وقته، و قد لا يكون نصاً واضحا ولكنه حتما أحد المعاني التي يدركها المتلقي. ويقول الشاعر سعد بن جدلان : يدك لامدت وفا لاتحرى وش تجيب كان جاتك سالمه حب يدك وخشها كل ماشبيت نار المحبه مع حبيب قام يسحب في مشاهيبها ويرشها كل ماواجهت لك في الزمن وجه غريب مثل ما قال المثل (دام تمشي مشها) وذمةٍ ماهيب تندان للحق المصيب جعل قشاش الحطب لاسرح يقتشها وأما شاعر هذه الأبيات فقد داعب إحساسه مضمون بيت من قصيدة شاعر آخر فقال : بيتٍ سمعته ثبتته العناوين وعز الله ان البيت واضح بيانا [ما تلحق الشكات غير الرديين و الا ترى الطيب وسيعٍ بطانا] وعندما نبحث عن قصيدة تحمل المعنى في أحد أبياتها و الذي يتوافق مع ما أشار إليه الشاعر و مصدره نجده قد ورد في قصيدة للشاعر عبد الله بن رشيد حيث يقول : وان شلتها ياحسين ترى مابها شين حيث الخوي ياحسين مثل الامانه مايستشك ياحسين كود الرديين والا ترى الطيب وسيعٍ بطانه ومن تداول المعنى بصيغة مختلفة قول الشاعر محمد الدحيمي : شرّق بي الوقت من صغري وغرّببي وعرفت ناسٍ وناسٍ كنت امالحها بعض المواقف جزاها خير من ربي وبعض المواقف عسى الله لا يسامحها و هذا يعطينا تذكير بالحكمة والبيت المعروف: جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها صديقي من عدوي ويقول في الاقتباس: كانت وكنّا ولازالت مرابعها في وسط صدري وعاد الشوق ماتغيّر ماغير اغنّي الى مريت شارعها (واقف على بابكم ولهان ومسير) ويقول أيضا : غدوا عقب جرّحوا قلبي ولاعوا وانا من عقبهم قفّيت أهذري (أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهةٍ وسداد ثغر) وكلها اقتباسات قد لا تكون من أجل اكتمال المعاني وتحقيق دعم المضامين فقط ولكنها إسهامات من الشاعر لتوسيع دائرة أدائه لكي يشمل أكثر من جانب ونص ، وفي الإضافات دوما ثقافة أوسع . وفي هذه الأبيات يكون للمعاني التي تتوارد أثرها ، حيث يقول شاعرها: عن فتنه الدنيا وَعن كثرت القيل (استغفر الله) كان يمديك قلها تلقى جزاها بالليالي المقابيل في ساعتن تجزى النفوس بعملها ويقول الشاعر د. إبراهيم مقحم المقحم : بعض البشر لا صدّ ندفع بشاره وبعض البشر لا غاب عنّا فقيدة ( الحرّ في الأمثال تكفيه إشارة] والسيف سيفٍ والجريدة جريدة والمثل الشعبي الوارد هو: الحر تكفيه الإشارة ، وهو جزء من عبارة فصيحة ، ومثله: اللبيب بالإشارة يفهم . و يقول الشاعر محسن الهزاني: دع لذيذ الكرى وانتبه ثمّ صل واستقم في الدجى وابتهل ثم قل يا مجيب الدعا ياعظيم الجلال يا لطيف ٍ بنا دايم ٍلم يزل واحد ٍماجد ٍقابض ٍباسط حاكم ٍعادل ٍكلّ ما شا فعل ظاهر ٍباطن ٍخافض ٍ رافع سامع ٍعالم ٍما بحكمه ميل أول ٍ آخر ٍ ليس له منتهى جلّ ماله شريك ٍ ولا له مثل وهكذا تتنقل المعاني ويتم تبادل الأمثال والحكم والمضامين المتميزة ، وتتحسن وتستكمل بتجديد وإبداع من شاعر إلى آخر ، عن طريق التضمين أو الاقتباس أو حتى التأثر التلقائي أو القسري الذي لا بد وأن يحصل ، وفي ذلك كله زيادة في وضوح المعنى واستكمال له وفيه أيضا الإشارة وإسناد أصل المقولات ومنشئها إلى كل الوسط مع الاحتفاظ للسابق بسبقه، والمؤكد أن هذا الأسلوب يعطي الضوء الأخضر لإفراز منتج شعري يكون في الغالب مشتملا على كل عناصر الرقي ومحققا لأهم سبب يؤدي لتلاقح الأفكار و تحفيز القرائح ومحققا للتقارب والتلاقي الذي لا غنى للرقي عنه.