العرب أهل عشق وغرام، وهيام بالجمال، تفننوا في تشبيه المرأة الجميلة بالمجاز والحقيقة، ولكن يؤخذ على ذائعة العربي اهتمامه الأكبر بالجانب المادي الملموس من جمال المرأة، مع إهمال غالب للصفات المعنوية الرائعة في الأنوثة، مثل الحنان والرقة والوفاء والرحمة.. يرد ذلك لكنه ليس بكثرة الأوصاف المحسوسة، فالرقة هي رقة الجلد (كالحرير) مثلاً، أما أوصاف الشخصية العذبة المعنوية في المرأة فهي قليلة بالنسبة لإسرافهم في أوصاف شكلها الخارجي!! ولا شك أن للصحراء دوراً في هذا!.. كل ما في الصحراء محسوس ملموس! وإذا طار الشاعر العربي بالخيال صور المحسوس بصور أخرى محسوسة أيضاً وذلك بأثر البيئة ونوع العلاقة السائدة بين الرجل والمرأة آنذاك.. ولا يعني هذا ندرة الأوصاف المعنوية الراقية في المرأة - عبر تراثنا وموروثنا - إلا مقارنة بكثرة الأوصاف لظواهرها المشاهدة. والواقع الجميل أن (شخصية المرأة عطر في زهرة) والشاعر المبدع من يصور هذا التمازج الرائع فيها بين الحسي والمعنوي. والعرب يشبهون وجه المرأة بالقمر والشمس، وقدها بغصن البان وقضيب الخيزران، والجسم بالبض أي الناعم اللين، والشعر بذنب الخيل والعنق بإبريق الفضة والكفل بكثيب الرمل والأنف بحد السيف والفم بالوردة أو (خاتم سليمان) الذي لم يره أحد، والخد بالورد والأسنان بالدر والبرد، والعيون بالسحر وعيون المها النَّبل والجيد بالطول وجيد الظبا، كما قالت سلمى بنت القراطيس تتغزل في نفسها: عيون مها العريم فدا عيوني وأجياد الظباء فداء جيدي أزيَّن بالعقود وإن نحري لأزين للعقود من العقود ولا أشكو من الأوصاب ثقلاً وتشكو قامتي ثقل النهود! واشتهر هذا البيت المنسوب ليزيد بن معاوية: وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت ورداً وعضت على العناب بالبرد لتراكم الصور وتزاحم الألوان، مع أنه في وصف جميلة تبكي. ولا شك أن العربي القديم عاش في صحراء قليلة الألوان لا يرى فيها (قوس قزح) إلا عاماً بعد عام، فلا غرابة أن يستعير أوصاف الجمال منها لأنها محيطه لهذا كثر تشبيه الجميلة بالبدر والشمس والمها وحتى (بقر الوحش) على أن الوصف بالمهرة - مثلاً - فيه جانب معنوي بديع وهو الجموح وصعوبة الحصول والوصول.. وهذا أقوى للشوق. تشبيه المرأة بالمهرة وقد ورد هذا التشبيه في الشعر الشعبي والفصيح.. تقول هند بنت النعمان (وقد كرهت زوجها الحجاج بن يوسف لبغيه وظلمه): وما هند إلا مهرة عربية سليلة أفراس تحللها بغل!! فإن ولدت فحلاً فلله درها وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل!! كانت تسرِّح شعرها وتنظر في مرآتها وتترنم بهذا الشعر (متحسفة بنفسها على الحجاج!!) وسمعها (المقرود) وهي تقول ذلك!! وتصفه بالبغل!! وأحس أنها تحتقره!! وهو أسوأ إحساس!! أراد أن يهينها فرجع غاضباً وقال لوزيره وقد انتفخت أوداجه من الغضب والقهر: إذهب إلى هند فطلقها نيابة عني بكلمتين!! ورمى عليه مئتي ألف درهم وقال: إرمها عليها!! يريد أن يهينها!! استأذن عليها الوزير وقال: - يقول لك الأمير: كنتِ.. فبنتِ!! ورمى عليها المبلغ الكبير!! أشرق وجهها الجميل بالفرح ونظرت للوزير بسرور وقالت: - والله ما اغتبطنا إذ كنا، ولقد فرحنا إذ بنا..!! وهذه الدراهم بشارة لك على خلاصي من كلب ثقيف!! وخرجت إلى أهلها مسرورة!! لا تسعها الأرض من الفرح!! وبلغ خبرها الخليفة عبدالملك بن مروان بالتفصيل!! وذكروا له من جمالها وشموصها (أي أباؤها وصعوبتها) فعشقها على السماع!! والأذن تعشق قبل العين بعض الأحيان!! فأرسل وزيره يخطبها له! فقالت: قل لأمير المؤمنين إن الكلب ولغ في الإناء!! تقصد بالكلب الحجاج طبعاً!! ورد الخليفة: قل لها إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)!! وأسعدها الجواب فوافقت!! وزفت إلى الخليفة في موكب حاشد!! شرطت فيه أن يكون الحجاج قائد جملها!! وفعل مرغماً مغضباً!! يستأهل!! وتشبيه المرأة الأصيلة الجميلة بالمهرة العربية الأصيلة الجموح التي لا يستطيع ترويضها إلا فارس رائع، أمر ذائع في الشعر.. يقول ابن لعبون: يا علي صحت بالصوت الرفيع يا مره لا تذبين القناع! يا علي عندكم صفرا صنيع سنها يا علي وقم الرباع نشتري يا علي كانك تبيع بالعمر مير ما ظني تباع!! وصفرا وصف للمهرة العربية الأصيلة! والرباع كناية عن أول الشباب وميعة الصبا! ومن المأثور البحريني: يا مهرة شقرا ويا لبسها الغالي تنذح بيدها لي أذهبت صوت صياح (تنذح: ترمي، أذهبت: سمعت)! وللأمير خالد الفيصل: أشبهه باللي عسيف من الخيل تلعب وأنا حبل الرسن في يديّا والعسيف هي المهرة الجموح التي لم تعسف بعد!! أي لم يتم تذليلها لصعوبتها!! فهي لا تخضع إلا لفارس بارع يعسفها وهي سعيدة راضية!! تشبيه المرأة بالظبي وهو من أشهر الأوصاف في الشعر العامي والعربي! ويقول المتنبي: أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب! وللبهاء زهير و(شعره ظريف لطيف): لو تراني وحبيبي عندما فرّ مثل الظبي من بين يديّا! ومضى يعدو وأعدو خلفه وترانا قد طوينا الأرض طيّا! قال: ما ترجع عني؟! قلت لا قال: ما تطلب مني؟! قلت: شيّا! ومن مفرداته: المها.. والريم.. والغزال! ولعلي بن الجهم: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري!