تسيطر نزعة الاستحواذ أو تملك الزوج عند بعض الزوجات؛ لدرجة أنَّ الزوجة هنا قد تتضايق كثيراً نتيجة بر زوجها بوالديه أو تواصله مع إخوته وأقاربه، وقد يصل الأمر إلى محاولة منع الزوج من زيارتهم أو مساعدتهم، وهذا يعني أنَّها تحاول فصل الزوج عن أهله، الأمر الذي يزيد الأمر تعقيداً ويُسيء بالتالي إلى العلاقة بين الزوجة وأهل الزوج، ونلاحظ بين الحين والآخر أنَّ هناك أمهات يشتكين من جفاء أبنائهن وهجرهم نتيجة تأثير الزوجة المتسلطة على هذا الابن العاجز. حب السيطرة وقالت "أم محمد": "أنا أبلغ من العمر ستين عاماً، وقد كنت -كباقي الأمهات- سعيدة بزواج ابني الأكبر، إلاَّ أنَّه تغيَّر كثيراً بعد السنة الأولى من زواجه، حيث قرر الانتقال من شقته إلى مكان بعيد عن منزلنا، وبالتالي أصبح لا يزورنا إلاَّ في المناسبات الكبيرة، كالأعياد والأفراح، وذلك بعد أن كان لا يفارقنا إلاَّ في وقت النوم"، مُرجعة سبب تغيّر ابنها إلى زوجته وعدم قدرتها على الانسجام مع أهل زوجها. وأوضحت "جواهر السهلي" أنَّ شقيقها تزوج بابنة أحد أقاربهم، مُضيفةً أنَّها وأفراد الأسرة كانوا يتعاملون مع زوجة أخيها بكل ود واحترام، ومع ذلك فإنَّها كانت تختلق المشكلة تلو الأخرى باستمرار، سواءً مع والدتها أو شقيقاتها، وذلك رغم وجودها في سكن مستقل، مُشيرةً إلى أنَّها كانت –على ما يبدو- ترغب بالسيطرة على شقيقها وإبعاده عن والديه وإخوته، بيد أنَّ محاولاتها باءت بالفشل، إذ إنَّها خسرت زوجها بعد طلاقها منه بعد مرور سنة على الزواج. وبيَّنت "موضي السبيعي" أنَّ ثلاثة من أبنائها الخمسة تغيروا كثيراً في التعامل معها بعد زواجهم، حيث أصبحت لا تعلم عن أخبارهم شيئاً إلاَّ من النَّاس، موضحةً أنَّها لم تشاهدهم منذ حوالي خمسة أشهر، لافتةً إلى أنَّ عذرهم الوحيد هو انشغالهم بالعمل، مُضيفةً أنَّ هذا العذر لا ينطبق على أهل الزوجة. شعور بالوحدة وأشارت "نوير الروقي" إلى أنَّ زوجها توفي وترك لها ابناً وحيداً لم يتجاوز عمره خمس سنوات، ومع ذلك فهي لم تفكر أبداً في الزواج بعده؛ خوفاً على ابنها من أن يسيء زوجها الجديد معاملته، مُضيفةً أنَّها منحته جُلَّ وقتها، موضحةً أنَّه رغم تواضع المستوى المعيشي للأسرة، إلاَّ أنَّها لم تبحث عن وظيفة؛ لكي لا تنشغل عن ابنها، حيث كان يمثِّل كل حياتها، لافتةً إلى أنَّها اعتقدت أنَّ زوجته التي ارتبط بها قبل حوالي ثلاث سنوات ستكون بمثابة ابنة لها، إلاَّ أنَّها لاحظت أنَّها تريد أن تستحوذ عليه بعيداً عنها، حيث كان لها ما أرادت، فلم يعد ابنها يهتم بها وأصبحت تشعر بالوحدة حالياً. وأكدت "علياء الشمري" على أنَّه يصعب تعميم مقولة أنَّ جميع زوجات الأبناء على الدرجة نفسها من السوء، مُشيرةً إلى أنَّ علاقتها وثيقة جداً مع أهل زوجها، حيث أنَّها حريصة على التواصل معهم باستمرار وتزورهم من وقتٍ لآخر، إلى جانب دعوتها إيَّاهم لزيارتها، وكذلك تقديم الهدايا لهم، مُشدِّدةً على أهمية مراعاة الله –عزَّ وجلّ- في التعامل مع أهل الزوج. حب جنوني ولفتت "سعدية الشهري" إلى أنَّ أم زوجها أنجبته بعد مرور مدة طويلة من زواجها بأبيه، مُضيفةً أنَّ ذلك جعلها تحبه بشكل جنوني، موضحةً أنَّه حينما تزوجها ظهرت أنانية والدته بشكلٍ كبير نتيجة خشيتها من أن تأخذ مكانها وحبها في قلب ابنها، الأمر الذي نتج عنه حدوث كثير من المشكلات، إلاَّ أنَّ الأمر أصبح عادياً بمرور الوقت، مُبيّنةً أنَّها تتعامل معها وكأنَّها أمها، ممَّا جعلها تحبها بسبب حسن معاملتها والتقرب إليها وإفهامها بطريقة غير مباشرة أنَّها مازالت تحتل مكان الصدارة في قلب ابنها. تحديات ثقافية وأوضح "د. خالد الدوس" -متخصص في القضايا الأسرية والاجتماعية- أنَّ البناء الأسري ومكوناته في المجتمع السعودي يشهد في واقعه المعاصر كثير من التحديات الثقافية والتغيرات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية السريعة، التي ألقت بظلالها على النظم والسنن الأخلاقية المتمخضة من قواعد الضبط الاجتماعي والقيمي والديني، وذلك نتيجة عوامل التحديث والمستجدات، التي طرأت على سطحه الاجتماعي. وأضاف أنَّ ذلك أدى بالتالي إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاجتماعي والممارسات المضادة للقيم في كثير من الاتجاهات الفكرية والسلوكية والتربوية المخالفة للموروث المجتمعي ومعاييره الاجتماعية الأصيلة، مُستشهداً هنا بتسلّط بعض الزوجات داخل الكيان المنزلي وتأثيرهن على أزوجهن، خاصة فيما يتعلق بانفصاله عن أهله والبعد عن أقاربه وأرحامه. حوار أسري وأكَّد "د. الدوس" على أنَّ العلاقة الزوجية المبنية على مبادئ وأسس الود والتفاهم الحضاري والاحترام المتبادل والمشاعر الوجدانية، إلى جانب إشاعة الحوار الأسري، تصبح علاقة مستقرة ومتوازنة في روابطها العاطفية والنفسية والأسرية، مُضيفاً أنَّها علاقة تكامل وتعاون، ولكل منهما ما يناسب ما فطره الله –عزَّ وجلَّ- عليه، نافياً أن تكون علاقة تسلط واستبداد وصراع ونزاع وعنف منزلي واحتقار وإهانات وإقصاء من الزوج أو الزوجة. وبيَّن أنَّه متى ما دخلت المشكلات الزوجية على الحياة الأسرية واختل توازنها الوجداني والنفسين فإنَّ أحد الزوجين يضطر للعيش مع الآخر على مضض، مع عداوة وشقاوة بكل مرارة تحت سقف واحد، وربما تمخَّض من رحم هذه المعاناة الزوجية ما يسمى بالطلاق الصامت أو الخرس العاطفي داخل النسيج الأسري، أي أنَّ العلاقة تصبح مصابة بسكتة في قلب المشاعر الوجدانية. د. خالد الدوس خلل وظيفي وأرجع "د. الدوس" أسباب تسّلط الزوجة إلى خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والعاطفية والعقلية للزوجة في مرحلة طفولتها، إلى جانب فشلها في تكوين خصائص وسمات شخصية ايجابية، وبالتالي تنشأ هذه الشخصية الاستبدادية المتسلطة، حيث إنَّها قد تشعر بالعجز والضجر والضعف، ثمَّ تُصدر سلوكيات مخالفه وعادات مناهضه للقيم مصبوغة بلون انفعالي يأخذ الشكل المرضي، مُضيفاً أنَّ من بين الأسباب أيضاً ضعف الوازع الديني، إذ إنَّ الدين عامل ايجابي في تنمية السلوك الإنساني السليم وصيانة معاييره الأخلاقية. وأشار إلى أنَّ من الأسباب التي تؤدي إلى اتساع دائرة هذه الأزمة القيمية، ضعف شخصية الزوج، مُضيفاً أنَّ هذا لا يحدث مصادفة، إذ انَّه طبقاً لعلم النفس الاجتماعي وأبحاثه، فإنَّ ضعف شخصية الرجل منذ صغره يكسبه شخصية باهته وواهنة ومهزوزة وجدانياً، كما أنَّه قد يكون منقاداً لأحد، وربما يكون هذا الأحد -على الأغلب- أمه، وبالتالي عندما يتزوج وتكون زوجته تتميز بشخصية قوية، فهي ستجد نفسها في ظل هذا التباين الواضح وعدم التوافق الفكري والعقلي والثقافي هي صاحبة الصوت الأعلى والرأي الأقوى. رجل ضعيف وأضاف أنَّ ذلك قد يجعل من الزوج في خضم هذا الفكر المهيمن أسيراً لزوجة مسيطرة ومنفصلاً عن واقعه الاجتماعي ومغترباً عن أهله وأقاربه بهمومه، مُشيراً إلى أنَّ ممَّا يؤسف له أن تبالغ بعض الزوجات في التسلط والاستبداد وحب السيطرة إلى درجة التباهي والتفاخر بهيمنتها وقوة شخصيتها داخل كيانها الأسري، خصوصاً أمام شقيقاتها أو زميلاتها في العمل، لافتاً إلى أنَّ تفوق الزوجة اجتماعياً وعلمياً على الرجل الضعيف الأقل علماً ووعياً ومكانة اجتماعية من الأسباب المؤدية إلى انفصال الزوج عن أهله وبعده عن إخوانه وأخواته أو محيطه الاجتماعي بشكل عام. وشَّدد على أهمية تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، كالمؤسسات الدينية والإعلامية المختلفة في رفع سقف الوعي الأسري ونشر ثقافة الحوار المنزلي وإرساء قواعد المودة والسكينة والاحترام المتبادل، إلى جانب أهمية دور الطبقة المثقفة ونشاطها الفكري في أنديتها الأدبية والثقافية، لافتاً إلى أنَّ لذلك دور فاعل في تعزيز قيم الوسطية داخل النسيج المنزلي كمنهج حياة حضارية، إلى جانب النهوض بقالب التنوير الثقافي الأسري بما يساهم في تحقيق الاستقرار والاعتدال في الحياة الزوجية. ولفت إلى انَّه لا يمكن أن يتم إغفال المؤسسات الاجتماعية المعنية بالشأن الأسري ودورها التنويري الوقائي العلاجي من خلال تنظيم الندوات الثقافية والملتقيات الفكرية وعقد ورش العمل التربوية، التي تبث روح الوعي السلوكي والاتزان الأخلاقي في الجسد الأسري، وذلك بالتعاون مع مؤسسات التعليم العالي، الأمر الذي سيحد من أزمة تأثير الزوجة وسيطرتها على الزوج الضعيف وحرمانه من التواصل مع أهله والبعد عنهم على مضض بدوافع أنانية أو انتقامية أو خضوعية أو سلطوية. المرأة الواثقة في نفسها وزوجها لا تلجأ إلى أسلوب الاستحواذ غير المبرر