بالإشارة إلى مناقشات مجلس الشورى للوثيقة السكانية التي تناولتها الصحف المحلية بالتعليق والتحليل ووجود تباين في وجهات النظر حول المباعدة بين الولادات والصحة الإنجابية لا يستطيع المتابع إلا أن ينوه بالمناقشة الحرة واحترام الرأي المختلف لدى أعضاء مجلس الشورى وهذا نموذج لما يجب أن يكون عليه الحوار في جميع المجالات حيث يجب ألا يفسد الاختلاف للود قضية. وهنا لن أتحدث عما دار ويدور في شبكات التواصل الاجتماعي التي يختلط فيها الحابل بالنابل. ولكنني سوف أشير إلى أن تنظيم الإنجاب شيء جميل إذا سبقه أو رافقه خطط تأخذ بعين الاعتبار حل المشاكل التي تكتنف معوقات الزواج التي يواجهها الشباب الراغبون فيه والتي تتمثل في ارتفاع أسعار العقارات إيجاراً وتملكاً وكذلك العمل على إيجاد حلول لمشاكل الطلاق التي أصبحت من العوامل المؤرقة لارتفاع نسبتها ناهيك عن حل مشكلة البطالة التي تعتبر من أكبر العوامل التي تقف حجر عثرة أمام إكمال الشباب لنصف دينهم. نعم لتنظيم الولادة والصحة الإنجابية إذا كانت لا تشكل عائقاً أمام زيادة السكان، ذلك أن دولة مثل المملكة ذات مساحة شاسعة ومدن وقرى متباعدة وعدد سكان قليل وثروات كبيرة ومطامع خارجية كشرت عن أنيابها وعمالة خارجية ذات أعداد متفاقمة كل ذلك يحتاج إلى أن تضع المملكة ضمن خططها التنموية زيادة عدد السكان وبناء مدن ومراكز صناعية جديدة في كل المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية أمنياً وعسكرياً واقتصادياً ولذلك سوف نستعرض في هذه المقالة أهمية زيادة عدد السكان والتخطيط. فأغلب دول العالم تتباهى بالنمو السكاني ويستثنى من ذلك كل من الصين والهند لأن عدد السكان هناك تفاقم بحيث تعدى في كل منهما (1.2) مليار نسمة ومع ذلك يشكل هذا العدد عمقاً بشرياً استراتيجياً يحسب له ألف حساب. كما أن هناك دولاً تبذل كل الجهود من أجل زيادة عدد سكانها لأنها تتمتع بمساحات كبيرة وعدد سكان محدود وذلك للوفاء بمتطلبات التنمية فيها مثل كندا واستراليا. كما أن بعض الدول التي قننت الزيادة في عدد السكان أصبحت الآن في مرحلة الهرم حيث زاد فيها عدد المسنين على عدد الشباب وذلك مثل اليابان وبعض الدول الأوروبية. ولذلك فإن هذه الدول تقوم هذه الأيام بإعادة حساباتها وتعمل على سن قوانين تسمح بمعدل إنجاب أكبر. إذاً عدد السكان منذ الأزل وإلى الأبد سوف يظل عاملاً مهماً ومقياساً رئيسياً في تقييم قوة الأمة ومدى مقدرتها على إدارة برامجها التنموية المختلفة بأيد وطنية سواء كانت مدنية أو عسكرية دون الحاجة إلى استقدام عمالة أجنبية ذات مشارب وخلفيات ثقافية متباينة وما يترب على ذلك من مشاكل أمنية واجتماعية كشفت الحملات الأمنية الموفقة عن بعض منها. إن الدعوة إلى الحد من نمو عدد السكان في دولة مثل المملكة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ليست في محلها خصوصاً أننا في دولة تبلغ مساحتها (2.2) مليون كيلو متر مربع وتتمتع بالاستقرار ووجود مصادر ممتازة للدخل يأتي في مقدمتها البترول والغاز والثروات المعدنية ناهيك عن أن زيادة عدد السكان ذو أهمية استراتيجية إذا رافقه التخطيط له ويتمثل في: - وضع خطط استراتيجية تستوعب الأجيال الناشئة في مجالات الإسكان والصحة والتعليم والأمن والدفاع والخدمات والصناعة وغيرها وهذه هي المهمة الحقيقية لمجلس الشورى. -ان زيادة عدد السكان سوف تؤدي إلى وجود عدة فئات نتيجة التباين في التحصيل الدراسي كل فئة تصبح ملائمة لمستوى معين من العمل وهذا بدوره سوف يفرض الأمر الواقع بحيث يتم القبول بفرص العمل المتاحة طبقاً لتأهيل كل باحث عن عمل ومن ليس لديه تأهيل سوف يقبل بالأعمال التي لا تحتاج إلى تأهيل وذلك كما هو حاصل في جميع دول العالم التي لا تستعير عمالة وافدة تقوم بأغلب حراكها التنموي والاجتماعي. -إن زيادة عدد السكان أصبحت ضرورة من أجل التخلص من العمالة الوافدة أو الحد منها خصوصاً ان تلك العمالة تشكل نزيفاً اقتصادياً حيث تقوم بتحويل ما يزيد على (130)مليار ريال سنوياً إلى خارج المملكة. ولك أن تتخيل لو تم صرف تلك المبالغ على مشاريع تنموية وفتح فرص عمل جديدة ومصادر دخل جديدة بدلاً من أن تذهب لتعزيز اقتصاديات دول تلك العمالة وهذا لا يتأتى إلا من خلال توطين، أي سعودة العمالة ولو على المدى المتوسط والطويل. - إن قلة عدد السكان مع الوفرة الاقتصادية ووجود الأماكن المقدسة من أكبر الحوافز التي تدفع من في قلبه مرض وحب التمدد والاستحواذ إلى التآمر علينا وذلك كما هو حاصل مع إيران وغيرها ممن يستكثر على المملكة ودول الخليج الثروة التي حباها الله بها. ولذلك يتم الحديث عن أن منطقة الخليج شبه خالية من السكان مقارنة بالمساحة التي تشغلها وفي المقابل يتحدث الإيرانيون عن قوتهم البشرية التي تزيد عن (75) مليون نسمة وضعوا منها تحت السلاح ما يزيد عن ( 1.5) مليون نسمة وتعمدوا إنشاء جيش عرمرم مدعوم بصناعات حربية وقدرات نووية ومتوج بتدخلات في شؤون الغير كما هو حادث في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحر الأحمر وبعض الدول الافريقية مثل إرتيريا وغيرها بالإضافة إلى عملهم الدائب على زعزعة استقرار دول الخليج وفي مقدمتها البحرين والمملكة ناهيك عن زرع خلايا نائمة وأحزاب معلنة وهذا كله لا بد من أن يجابه بخطط عسكرية وأمنية وسكانية تأخذ بعين الاعتبار عدداً سكانياً مناسباً. -إن عدد السكان الكبير هو العمق الاستراتيجي لكل حراك تنموي أو اجتماعي أو أمني أو دفاعي وهذا من أهم العوامل التي تسعى الدول المختلفة إلى تحقيقه. - إن عدد المبدعين والمتفوقين والمتميزين يتناسبون طرداً مع عدد السكان وهم المعوّل عليهم في قيادة البحث والتطوير والإدارة والتخطيط. - نعم زيادة عدد السكان يحتاج إلى خطط استراتيجية استباقية في جميع المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية والأمنية والعسكرية والمعيشية وفرص العمل وتعدد مصادر الدخل والإسكان والنقل والأمن المائي والغذائي. - إن أية سياسة تنادي بالحد من زيادة عدد السكان في الوقت الحاضر أمر غير مناسب، خصوصاً ونحن نرى دولاً مثل إسرائيل محدودة المساحة بصورة كبيرة جداً ترصد الجوائز للأم التي تنجب عدداً أكبر من الأولاد ناهيك عن بناء المستعمرات وجلب المهاجرين من مختلف أنحاء العالم تحت إغراءات ووعود بالعيش الرغيد على الرغم من عدم توفر مصادر ثروة تحت أو فوق الأرض إلا انهم يعتمدون على اقتصاد المعرفة الذي لا ينضب والذي يجب أن يكون خيارنا الأول في المستقبل. - لذلك فإن الخطط الاستراتيجية للأمن السكاني يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن يصل سكان المملكة إلى (45) مليوناً بحلول عام 1460ه وهذا النمو كان مؤملاً فيه إلا أن انخفاض معدل النمو السكاني خلال الخمس عشرة سنة المنصرمة يشير إلى استحالة ذلك والسبب أن معدل الخصوبة قد انخفض من (7) عام 1399ه الى (3) عام 1431ه ثم إلى (2.4) عام 1435ه وهذا مرجعه إلى عدة أسباب اجتماعية واقتصادية يأتي في مقدمتها ارتفاع نسبة الطلاق وارتفاع سن الزواج بسبب مواصلة التعليم أو عدم القدرة على تكاليف الزواج التي يأتي ارتفاع تكاليف المعيشة في مقدمتها خصوصاً مع التضخم غير المبرر في العقار ناهيك عن عمل المرأة ومحدودية فرص العمل. - إن القوى العاملة الأجنبية عبارة عن قنبلة موقوتة ذلك انه في الظروف الاستثنائية لا قدر الله فإن أغلب تلك العمالة سوف تغادر إلى بلدانها وهذا سوف يؤدي إلى شلل وتعطل جميع المصالح التي كانت تعتمد عليهم ناهيك عن أن قليلاً جداً منهم يمكن أن يشكل طابوراً خامساً يعمل لصالح جهات أجنبية. -إن السبب الأول للبطالة القائمة حالياً هو وجود العمالة الوافدة واستحواذها على أغلب مفاصل العمل التي يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال جميع ورش الصيانة وجميع محطات الوقود وجميع المطاعم وجميع قطاعات البناء والتشييد وجميع محلات الحلاقة وجميع الفنادق وجميع سيارات الأجرة والنقل والمواصلات وجميع البقالات وجميع العاملين في المحلات التجارية وحدث ولا حرج. ان أغلب تلك العمالة التي تمارس تلك الأعمال تأتي لا تجيد شيئاً من هذه الأعمال ثم تتدرب وتتعلم على رأس العمل حتى تجيده بينما الشاب السعودي يسيل لعابه للعمل لو أتيحت له الفرصة ودرب على رأس العمل (اسوة بالعمالة الوافدة) على قاعدة البقاء للأصلح، ناهيك عن ما يوجد من أعداد لدى الشركات والمصانع الكبرى ولا زلنا نتكلم ومنذ أكثر من أربع سنوات عن نطاقات التي لم تقدم ولم تؤخر. -لا بد من أن يكون لدينا أنموذج يحتذى مثل اليابان التي تعيش على جزر بركانية قليلة الخصوبة وكثيرة الزلازل والبراكين وقليلة المصادر الطبيعية ومع ذلك استطاع اليابانيون أن ينعموا بثاني أقوى اقتصاد في العالم على الرغم من ندرة الموارد الاقتصادية الطبيعية في أرضهم وذلك لأنهم طبقوا مقولة الحاجة أم الاختراع ولهذا تبنوا فكرة اقتصاد المعرفة حيث يستوردون تقريباً جميع الخامات التي يحتاجونها من الخارج ويصنعونها ثم يعيدون تصديرها بأضعاف قيمة استيرادها وفي هذه الأيام تنبهوا إلى أن الهرم السكاني لديهم معكوس حيث بدأ الشعب الياباني يشيخ ولذلك بدأوا بفرض الخطط التي تكفل الزيادة في عدد المواليد لإعادة الهرم السكاني إلى وضعه الطبيعي. -إن كثرة عدد السكان في أية دولة من الدول يجعل لها وزناً وثقلاً دولياً أكبر. كما أن وفرة عدد السكان هو العمق الاستراتيجي للجيش والمعوّل عليه في الصمود في أرض المعركة لا قدر الله وهو المعول عليه في المقاومة في حالة الخسارة والتاريخ يشهد على ذلك في منطقتنا العربية وفي كافة أرجاء العالم في الحاضر والماضي.