عرض فيلم "رجل الدار" "The Homesman" للمرة الأولى في مهرجان كان السينمائي لهذا العام، وكان ثالث الفيلمين الأمريكيين"Foxcatcher" و"Map of The Stars" في المسابقة الرسمية. وإذا كان "Foxcatcher" قد حصل على استحسان نقدي عبرت عنه لجنة التحكيم بمنحه جائزة أفضل إخراج، فمسيرته لازالت مستمرة؛ حيث من المتوقع جداً أن نشهد حضوره في عدة فئات في ترشيحات الأوسكار منها أفضل نص مقتبس وأفضل ممثل "ستيف كاريل" وأفضل ممثل مساعد "مارك رفالو" وأفضل فيلم. في حين أن "Maps of the Stars" قد حصل على ضجة كبرى في المهرجان، تلاها فوز جوليان مور بأفضل أداء نسائي، وخبا نجمه بعد ذلك. إلا أن ثالث المشاركات الأمريكية، وهو فيلم "رجل الدار" لم يحصل على شيء في كان، رغم أنه كان أفضل فنياً من "خارطة النجوم"، وإن لم يكن يستحق الفوز على أي من الأفلام الأخرى التي نالت أهم الجوائز. كما أنه عند النظر لمحصلة نهاية العام، فلا يبدو أبداً أنه من الأفضل، وإن كان أداء هيلاري سوانك يستحق تنويهاً ما، ولكن سوانك لم تنل أي ترشيح حتى الآن، ولا يبدو أن لها أو للفيلم حظاً في الجوائز. ولكن إذا ما نظرنا إليه على مستوى أفلام "الغرب"أو الويسترن، فيمكن القول إنه فيلم مختلف ومتميز في الصنف السينمائي الذي ينتمي إليه. تدور أحداث الفيلم في الخمسينات من القرن التاسع عشر، وهو مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للروائي غليندون سوارثهوت. وقد قام توم لي جونز بإخراجه وإنتاجه والمشاركة في كتابته مع كيران فيتزجيرالد ووزلي أوليفر. وتشير كلمة "رجل الدار" إلى الرجل الذي يتولى إعادة المهاجرين إلى بيوتهم. ويحكي الفيلم قصة ماري بي كادي (هيلاري سوانك) والتي كانت تعمل معلمة سابقاً، ثم نزحت إلى مناطق الغرب الوسطى لتحظى بفرص أكبر في الحياة. وهي تمتلك أرضاً زراعية ونشيطة في مجتمعها الريفي حيث تعيش، ولكنها تعاني من الوحدة، وتطمح للزواج دون أن تجد من يقبل بها. وبعد مرور شتاء قارس، تصاب ثلاث نساء بالجنون، من جراء ظروف صعبة مررن بها. تتبرع ماري بي بأخذ الثلاثة إلى كنيسة في منطقة هيبرون تعتني بالمصابين عقلياً. يحاول عمدة القرية البحث عن شخص آخر، خاصة أن الرحلة طويلة، ولكن ماري بي تصر لأنها تبحث عن مخرج لها من الوحدة، وإحساساً منها بالمسؤولية، ورغبة في رعاية هؤلاء النسوة. تصادف ماري بي في طريقها جورج بريجز (توم لي جونز) الذي لا يجد مانعاً في الاعتداء على ممتلكات الآخرين والذي قام بعض السكان نتيجة لتطاوله على الممتلكات الخاصة، بتعليقه من رقبته في شجرة، وهي عقوبة يقصد بها قتل من يتم تعليقه بتركه معلقاً حتى الموت. تقوم ماري لي بتحريره بعد أن يترجاها كثيراً لإنقاذه، ولكن في المقابل تطلب منه أن يساعدها في رحلتها، ومعها تبدأ قصتهما معاً. يتعرض الفيلم لقسوة الحياة التي عانى منها المستوطنون الأوائل في أمريكا، ولكن الجميل هو تسليطه الضوء على حياة النساء في تلك الفترة ومعاناتهن. كما أن بطلة القصة، ماري بي، مثلت نموذج المرأة القوية والمستقلة، ولكنها تحمل في داخلها ضعفاً كبيراً. وهذا الضعف هو ما تجد نفسها غير قادرة على احتماله في نهاية المطاف، وتقرر أن تضع حداً نهائياً له. ومن الصعب تخيل ممثلة أخرى أكثر اقتداراً من سوانك على تمثيل دور من هذا النوع. كما كان توم لي جونز أيضاً ممتعاً في أدائه، وعدم استعراضه لشخصية بريجز بأي بريق من أي نوع، لتكون البطلة الأساسية في الفيلم هي "ماري بي كادي". وقد كان من أجمل ما تميز به الفيلم هو التصوير السينمائي للمبدع رودريجو بريتو، الذي سبق له أن ترشح لأوسكار أفضل تصوير سينمائي عن فيلم " Brokeback Mountain" (2005). فقد حرص على إظهار الصحاري الشاسعة حيث يمكن لتلك القافلة الصغيرة أن تضيع فيها. كما أضفى لمسة شاعرية حزينة عبرت عنها جماليات الصورة، تعكس أجواء الطقس القاسية والحزن والوحدة التي تعاني منها ماري بي والنساء الموجودات معها. وكانت إطلالة ميريل ستريب الشرفية في آخر الفيلم، إطلالة موفقة وجميلة. ولهذا ففيلم "رجل الدار" هو أفضل أفلام الغرب لهذا العام.