أنهيت مقالي السابق بعدة تساؤلات عن مرض الفتق وعملية إصلاحه هل هذا المرض شائعا وهل لازم له من إصلاح جراحي وهل من الممكن علاجه بغير ذلك وهل الشبكة هي الخيار الوحيد؟!! ولكي أجيب على ما سبق فلابد من استحضار معنى كلمة فتق او بعج والتي تعني بروز أو خروج بعض الأعضاء أو جزء منها خلال فتحة غير طبيعية في جدار الحاوي لهذه الأعضاء، ويمكن أن يكون ذلك من خلال جدار البطن أو الأغشية المبطنة له. قد يحدث الفتق بشكل تلقائي أو خلقي كما عند الأطفال، أو يكون مكتسبا بسبب ضعف في عضلات جدار البطن كما حدث للملك جورج الثاني أو بعد عمل جراحي على البطن لأي سبب كان، أو رفع أوزان ثقيلة، أو بسبب أمراض مزمنة تسبب ارتفاعا دائما في الضغط داخل البطن، كحالات الإمساك المزمن، ضخامة البروستات، الأمراض الصدرية المترافقة بسعال مزمن، والحمل المتكرر عند النساء. يمكن للفتق أن يكون ظاهراً ويحس به عن طريق الجس باليد، وربما يسبب أعراض غامضة نتيجة لضغطه على أعضاء أخرى في طريقه، وقد يؤدي إلى خلل وظيفي في هذا العضو. والأنسجة الدهنية عادة ما تدخل الفتق أولا، ولكن يمكن أن يتبعها أو يصاحبها عضو ما كالأمعاء. يصنف الفتق حسب المكان الذي يظهر فيه، فهناك عدة أنواع من الفتوق منها: فتق إربي في العانة، فتق في السرة أو ما حولها، فتق فخذي، فتق شرسوفي "في أعلى ومنتصف البطن"، فتق جراحي "يحدث في مكان ندبة عمل جراحي سابق"، وهناك فتوق أخرى نادرة الحدوث، إضافة إلى وجود فتوق داخل البطن لا تظهر لها أعراض أو علامات خارجية، إلا إذا حدثت لها مضاعفات. وأخيرا هناك ما يسمى فتاق الرياضيين وهو متلازمة تتصف بألم مزمن في المنطقة الأربية وتمدد في الفتحة السطحية الأربية على الرغم من ذلك لا يحدث فتق حقيقي. أحيانا لا يسبب وجود الفتق أعراض تسترعي انتباه المريض، وقد لا يعلم المريض بوجوده، إلا مصادفة عند اكتشافه من قبل الطبيب أثناء الكشف الطبي الدوري، أما عند الأطفال في بعض الأحيان يتم اكتشاف الفتق من قبل الأم أثناء عنايتها بطفلها أو أثناء البكاء. ولكن في أغلب الأحيان يشكو المريض من وجود تورم أو انتفاخ بسبب بروز الأمعاء من خلال الفتحة في جدار البطن، يكون الانتفاخ أكثر وضوحا عندما يكون المريض واقفا أو أثناء أو بعد بذل الجهد. هنا كأعراض وعلامات أخرى مثل الألم أو عدم الارتياح في مكان الفتق أو الإحساس بالثقل في أسفل البطن من جانب الإصابة، وأحياناً انتفاخ في الخصية عندما تنزل الأمعاء من خلال فتحة الفتق إلى كيس الصفن، ويظهر الفتق لأول مرة باعتلالات ومضاعفات، مثل اختناق في الفتق أو انسداد في الأمعاء كما حدث للملك جورج الثاني، وهذه تعتبر حالات إسعافية طارئة تحتاج إلى العلاج السريع. الفتق الإربي هو الأكثر شيوعا عند الرجال والنساء إلا أنه أكثر بعشرين مرة عند الرجال أما النساء فيصاب أكثرهن بالفتق بجانب السرة بسبب الحمل ولكن لماذا.....؟ هناك عوامل عديدة يمكن أن تزيد نسبة الإصابة بالفتق كجنس المصاب، التدخين، الإمساك المزمن وزيادة الوزن والحمل المتكرر، نوع المهنة التي تتطلب الوقوف الطويل، رفع الأوزان الثقيلة، كذلك للوراثة دور في الإصابة، وأيضا الأطفال الخدج أكثر عرضة للإصابة من غيرهم. الفتق في ظني عزيزي القارئ ظهر مع ظهور الجيل الثاني من البشرية عندما تعلم الإنسان الزراعة وأضطر لحمل المحاصيل والماشية والصيد وخلافه، فهو ليس من الأمراض المكتشفة حديثاً، بل إنه موجود منذ القدم، ولكن علاجه يتجدد حتى يومنا الحاضر، هناك العديد من الناس يعانون منه، والبعض منهم يهمل علاجه، ظناً منه أنه لن يتطور بل و المصيبة الأعظم أن يعتقد خطأً أنه يمكن شفاؤه تلقائياً مع مرور الوقت، وللأسف قد يمنعه الحياء من العلاج، خصوصاً إذا كان هذا البعج في مكان يتحاشى المريض أن يطلع عليه أحد، وهذا بالطبع تصرف خاطئ. وعلاج الفتق الوحيد هو الإصلاح الجراحي ما أمكن وسمحت حالة المريض بذلك ولا يوجد طب شعبيٌ ولا صينيٌ أو هنديٌ يوصي بغير ذلك، فقد أجمع الناس في أقصى الأرض وأدناها على أن خياطة هذا الرتق هي الأصلح للمريض والتي يمكن أن تتم إما بواسطة الجراحة وإما بواسطة المنظار، ولا يمكن الشفاء تلقائيا، باستثناء فتوق السرة "صغيرة الحجم" عند الأطفال حديثي الولادة، التي قد تلتئم عند بلوغ الطفل سن الثانية من العمر، أما العلاج النوعي للفتق، فهو بالجراحة بعدة أنواع منها: بالفتح أي الجراحة التقليدية، ومنها من خلال المنظار، وفي كلتا الحالتين تجرى هذه العمليات ضمن عمليات اليوم الواحد، حيث يخرج المريض من المستشفى في يوم العمل الجراحي نفسه، أو على الأكثر في اليوم التالي. في نهاية القرن السابع عشر كان أطباء ذلك الزمان يوصون بالمشد لجميع الحالات، بينما اقتصر دور الجراحة على علاج فتق السرة والفخذ الكبير الضخم وفتوق المساجين التي تهدد حياتهم. توسعت الأعمال الجراحية لتشمل مختلف أنواع الفتق حتى ظن الدكتور استتلى كوبر أن الجراحين قد أتقنوا هذا الفن من الجراحة ومع تطور علم التخدير الذي أتقنه في البداية أطباء مملكة الأندلس المسلمون وقدموه على طبق من ذهب لقرنائهم الأوربيين الذين تمرسوا في هذا العلم وطوروه بعد أن نقحوه ظهر مبدأ جراحة الفتق الحديثة المعروفة باسم عصر إصلاح الفتق تحت التوتر والتي استمرت من بداية القرن التاسع عشر الى أواسط القرن الحادي والعشرين. وأدخلت ثلاث قواعد جوهرية لتقنية إصلاح فتق: إجراءات مطهرة ومعقمة. ربط عالية كيس الفتق وتضييق الحلقة الاربية الداخلية. وعلى الرغم من التقدم المحرز إلا أن نتائج العلاج كانت سيئة، حيث بلغت نسبة رجوع الفتق 100% في السنوات الأربع التالية للعملية مع نسبة ونسبة وفاة بعد العملية تصل الى 7%. وهو مالم يتقبله الوسط الجراحي آنذاك فعمل الجراحون على تحسين طريقة عمل العملية وفي كل مرة يأتون بطريقة أجد تكون نسبة الرجوع أقل الى أن وصلوا الى نسبة رجوع بلغت3% مع طريقة الجراح الكندي شولديسي. ولكن هذا مازال غير كاف الى أن توقدت فكرة استخدام الشبكة في رأس ليختنشتاين. حيث يعتبر عام 1935 نقطة تحول في جراحة الفتق، حيث تم اكتشاف البوليمرات الاصطناعية والتي طور العلماء الشبكة الصناعية منها. قللت طريقة ليختنشتاين نسب رجوع الفتق الى 1.4% بعد أن قام بإجراء عملية الفتق على ما يزيد عن ألف مريض والذي كلهم بلا استثناء لم يعد لهم الفتق لمدة 5 سنوات بعد العملية. منذ ذلك اليوم هيمنة هذه الطريقة على ما قد سبقها من الطرق المختلفة لعلاج الفتق جراحياً بل تطورت الطريقة ليصبح للمنظار حظ فيها خصوصاً إذا ما أصيب الشخص بفتق إربي (عاني) في الجهتين والتي أول من أجراها كان الجراح فليتشر في عام 1979م. وفي الختام وبغض النظر عن الطريقة المستخدمة، فإن النصيحة التي يمكن أن أوجهها لكل مريض مصاب بالفتق أيا كان نوعه، أن يراجع طبيبه، ويأخذ منه النصح لترتيب موعد لعلاج هذا الفتق في وقت مناسب، قبل أن يصاب بالمضاعفات الخطيرة التي ذكرتها سابقا، والتي قد تتطلب علاجا إسعافيا، نتائجه قد لا تكون كما يريدها المريض أو الجراح. الإصلاح الجراحي