في عصر يوم الثلاثاء الفائت صلى الأقارب والمحبون على المواطن التقي النقي العفيف النظيف العابد المتبتل (أبي بدر) ( عبدالله بن إبراهيم العبد اللطيف) نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً وأودعوا الثرى جسده الطاهر. رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته. وقبل أن يرفع أيٌّ من المتلقين حاجبه متسائلا: وما الجديد والإضافة فكلنا ذلك المتجه صوب ذاك المصير؟ أبادر وأسجل هنا أن الجديد والغريب العجيب هو ماحصل في سيرته المرضية: قبل ما يقارب ثمانية وثلاثين عاما.. صَحِبَ أبو بدر أحدَ أصدقائه الذي يشكو من بعض الأعراض إلى إحدى عيادات القلب المتخصصة، وبعد أن قام الطبيب بفحص الصديق وطَمْأَنَهُ إلى سلامته، عرض على أبي بدر أن يفحصه هو الآخر فكانت المفاجأة أن اكتشف الطبيب عطباً في أحد صمامات القلب، وأشار بنقله فوراً إلى مجمع الملك سعود لإجراء ما يتطلبه الوضع الصحي. بادر إخوته ومحبوه إلى الإسراع بإجراءات السفر به إلى أحد المشافي المتخصصة في (لندن) ، وهناك تم تغيير الصمام، وعاد بسلامة الله وعافيته واستأنف حياته بشكل طَبَعي مريح.. وبعد ما يربو على خمسة وعشرين عاماً بدأ يشعر بأعراض انتهاء مهمة الصمام الاصطناعي، فقام بمراجعة قسم القلب في (المشفى العسكري) بمدينة الأمير سلطان الطبية، فتم تغيير الصمام بصمام جديد.. وبعد ما يقارب ثمانية أعوام فقط لحق العطب بالصمام الجديد، فدخل إلى المشفى وأجريت له عملية صمام آخر.. أكملت العملية، وأقفل صدر أبي بدر على قلبه، لكن حصل له نزيف في موضع الصمام.. وفي المشفى ذاته لم يتمكن الأطباء من إيقاف النزيف، فدخل المريض في غيبوبة لمدة شهر أسلمته إلى الوفاة! وقبل أن نخلص إلى أن هناك حالات عديدة لا تبتعد كثيراً عن حالة أبي بدر، وأن هذه أقدار مكتوبة، وتعددت الأسباب والموت واحد، وأن الجهاز الطبي المتخصص في المشفى لم يقصر في بذل كل الجهود الممكنة، قبل ذلك كله لا مفر من تسجيل هذه الاستفسارات: - لماذا عاش الصمام الذي زرعه مشفى لندن أكثر من خمسة وعشرين عاما؟! وبالمقابل، لماذا لم يستطع الصمام الذي أودعه المشفى العسكري في الرياض قلب المريض أن يتجاوز ثمانية أعوام؟! ثم لماذا لم يستطع الأطباء في العسكري إيقاف النزيف الذي قضى على المريض؟! هذه جملة من الأسئلة العلمية البحتة التي ينبغي أن يتلقاها المسؤول بما يقنع الآخرين من الإجابات والفكر الطبي والثقافة الصحية الراقية؛ لأنه وبمنتهى الصدق والمكاشفة لا تمكن المقارنة في كثير من الحالات والأحداث الطبية بين ما يتم في مختلف المشافي العالمية وما يقع في أغلب غرف مشافينا وعناياتها المشددة. ومن أجل الإنصاف والاعتراف بالحق، لا يمكن أن نتصف بالمكابرة ولا بالتجاهل والإنكار إزاء الجهود والإنجازات والصدق في النية والإجراء، غير أني أكاد أن أجزم بأن ما ينقصنا هو نوع لم يتحقق حتى الآن من التخطيط والاستراتيجيات والمتابعة، كما أننا نادراً ما نعثر على المسؤول الذي قلبه يرف على الأجهزة التي يديرها، وفكره يداخل فواصلها، ويقظته تتعقب سيرتها وإضافاتها. ( مسرفٌ صمتنا برسم العفاءِ عزَّ .. حتى .. وفاؤنا بالعزاءِ نتهجى عبر الفجيعة .. عمرا ليس عمرا لولا عظيم الرجاءِ ليس عمرا ما نرتديه بدنيانا .. ولا الدهر مُؤْذِنٌ .. بالبقاءِ .. ).