في عام 1761 م استقلّ ستة رجال، هم أَعضاء البعثة الملكية الدانمركية إلى البلاد العربية سفينة حربية دانمركية في رحلة علمية كان ضمن أهدافها الرئيسية التحقق من المعالم الجغرافية المتصلة بقصص التوراة وضمت كلاً من الدانمركي فريدريك كريستيان خبير المسائل الفقهية. والسويدي بيتر فروسكال والرسّام الألماني الهر جورج وليام والدانمركي كريستيان كريمر والعالم الألماني كارسيتن نيبور ولم يكن هؤلاء العلماء على علم بما يخفيه القدر حيث فتكت بهم الملاريا واحدا تلو الآخر حتى غادر ركب البعثة ارض اليمن هربا إلى الهند عام 1763م بعد ما دفنوا احد أعضاء الرحلة في مخا اليمنية وقدم الخدمة الجنائزية ستة من البحارة الكاثوليك تصادف وجودهم هناك وقد جاء في مذكرة نيبور وهو ينعى رفيق رحلته الدانمركي فريدريك أنه بدأ يهذى ويهمهم ببعض الكلمات العربية الفرنسية وأحيانا الايطالية والألمانية حتى راح في اغماءة الموت ودفن بعده بشهر زميله السويدي فورسكال دون مراسم أما البقية فقد كانوا في حالة يائسة وحملوا إلى ظهر الباخرة حملا عدا نيبور الذي كان أفضل حالا رغم إصابته حيث وافت المنية زميلهم جورج وليام في الطريق وقد قذف بجثمانه في البحر ودفن في أمواجه كما قذف في اليوم التالي مباشرة بجثة الرجل السمين برجن الذي كان يهزأ كثيرا من صعوبات الطريق وآخرهم الدنمركي كريمر الذي توفي بعد وصولهم بومباي وقد نعاه نيبور بجملة واحدة : غادر كريمر هذه الدنيا , ثم بدا نيبور وكأنه ينعى نفسه بعد أن أصبح وحيدا : لم يبقَ غيري من أفراد بعثتنا القوية ولا يراودني الا بصيص أمل بأنني سأرى أوروبا مرة أخرى . الا ان الله قدر أن يكون نيبور هو الناجي الوحيد الذي قطف ثمار الرحلة وعاد إلى بلده سالما معافى وقد تحدث ضمن ما تحدث عن تفاصيل قصة موت أحد أعضاء الرحلة والصعوبات التي واجهتهم أثناء محاولة دفنه في اليمن عند ما اضطروا إلى حمله إلى مثواه في ساعة متأخرة من الليل يقول نيبور ( رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وبلاد مجاورة ) بأن السيد فورسكال كان قد بدأ يتماثل للشفاء في الأيام الأولى التي قضوها في بريم لكن حالته أصيبت بانتكاسة واستشرى المرض من جديد حتى فقدوا الأمل بشفائه , ثم غط في سبات عميق حتى وافته المنية وأسفوا لفقده كثيرا لأن تعاطيه مع عامة الشعب بسبب حبه لجمع النباتات , مكنه من تعلم اللغة العربية أفضل من كافة أعضاء البعثة , فضلا عن اللهجات المختلفة , فأصبح بالتالي الناطق باسمهم جميعا , إضافة إلى أن نجاح الرحلة كان من ابرز همومه حتى وصفه بأنه ولد حتى يقوم برحلة إلى الجزيرة العربية , إذ لم تكن الصعوبات تثنيه ولا نقص وسائل الراحة ترده عن هدفه مبينا انه أولا تعود على طريقة عيش الناس كونه من الضروريات للمتنقل في الجزيرة العربية حيث لا يمكن لعالم عظيم من دونه ان يؤدي دوره كاملا يصل بعد ذلك إلى انهم ابلغوا حاكم البلد بوفاة رفيقهم وطلبوا المساعدة في شراء مكانا لقبره حيث أرسلوا من قِبل صاحب الدولة وقاضي البلاد إلى عربي باعهم مكانا للقبر لكن العملية لم تتم بسبب قربه من إحدى قنوات الري إذ هدد الجيران البائع بدفع الثمن غاليا فيما لو نقص الماء بسبب جسد هذا الإفرنجي النجس على حد قولهم . ولأنه لم يرغب استثارة ونقمة جيرانه فقد بحث لهم عن مكان آخر وبنفس الثمن وطاب لصاحب الدولة بعدها الاجتماع بأحد أعضاء البعثة والتشاور معه مبينا انه وبصفته حاكم لهذه المقاطعة فإنه يملك حق الوراثة على تركة أي يهودي أو صاحب ديانة أخرى يموت خلال سفره فوق أرضه , فأجابه أن الميت ليس يهوديا ولا بنيانيا وأن صاحب الدولة في المخا لم يطالبهم بتركة صديق لهم توفي هناك وما إن تخلصوا من طمع الحاكم حتى وقعوا في مأزق كبير عند محاولة دفن رفيقهم بسبب رفض الحمالين نقله خشية نقمة أهل البلد رغم كل الإغراءات المادية , فاضطروا في النهاية إلى محاولة دفنه ليلا عند ما حضر ستة حمالين في الساعة الثالثة فجرا وسارعوا إلى تنفيذ مهمتهم خلسة ولكن نيبور لم يتمكن من مرافقة جنازته بسبب مرضه فيما رافقه بقية أعضاء البعثة والخدم العرب الذين رافقوهم من تعز كذلك خادما القاضي وشيخ البلد في بريم . يقول نيبور : لم نكن لنعتبر أننا أكملنا واجباتنا تجاه رفيقنا , لو لم ندفنه في تابوت , لكن كان حريا بنا أن نلفه بكفن وندفنه ، لأن وجود التابوت دفع العرب إلى الاعتقاد بان الأوربيين يدفنون كنوزا مع موتاهم , وهذا ما شاع خبره حين طلبنا بصنع التابوت وعلمنا فيما بعد في صنعاء أن أحدهم نبش القبر بعد رحيلنا من بريم , وكسر التابوت , وسرق الكفن وحين علم صاحب الدولة بالأمر أجبر اليهود العرب هناك على إعادة دفن الجثة , ومنحهم التابوت حين طالبوا بأجورهم . يبين بعد ذلك أن خادمهم الأوربي وقع فريسة للمرض في يومهم الأخير فلم يقو على السفر معهم إلى صنعاء لذا غادروا وتركوه في ذمار كي يتبعهم على مهل بحسب ما تسمح له قواه , وحين لحق بهم بعد أيام اشتكى من أنه لم يجد مأوى أثناء محنته لأن العرب خشوا أن يموت عندهم فيتحملوا عناء دفنه , لكنه وجد الكثيرين ليؤجروه حمارا ويسافروا معه بالبطء الذي يشاؤونه .