حينما ضرب اعصار كاترينا وقبله ريتا السواحل الأمريكية وأضر بعض مدنها.. تعالت بعض الأصوات هنا وهناك لتجير هذه الارادة الالهية من خلال ظواهر الطبيعة.. على نحو سياسي لصالح هذا الطرف او ذاك.. قال بعضهم أنها غضب من الله على ما تفعله أمريكا في العراق وأفغانستان، في حين ظهر الحاخام الأكبر (عوفاديا يوسف) ليزعم أن تلك الأعاصير كانت بالفعل غضباً من الرب على الادارة الأمريكية، وانما بسبب وقوف الرئيس بوش الى جانب شارون في الانسحاب من غزة.. كان هذا في الوقت الذي كان يقف فيه أحد خطباء الجمعة في مدينة عربية قاصية ليقول أن هذه الأعاصير عقاباً الهياً للولايات المتحدةالأمريكية لدعمها اللامحدود لاحتلال مقدسات المسلمين وتدنيس المسجد الأقصى!. وقبل ذلك ارتفعت ذات الأصوات لتعطي نفس التبرير لزلزال تسونامي بالشكل الذي سمعناه حينها.. ولا أعرف ماذا يمكن أن يقول هؤلاء المتخصصون باحالة كل الظواهر الكونية التي هي لا شك بعض من آيات رب السموات والأرض.. تجاه زلزال باكستان؟!.. مع كل الرجاء ألا يستفيد منه سيادة الحاخام الأكبر بحجة أن أكثر المتضررين.. هم من المسلمين. إن قضية الزج بالمشيئة الالهية من خلال قراءة هذه المسائل الكونية التي استطاع العلم الحديث أن يجد التفسير الجيولوجي والجيو فيزيائي او المناخي لبعضها أقول بعضها.. إذ لا يزال الكثير من أسرارها يلفه الغموض، وأن يحيلها الى أسسها العلمية المجردة التي تثبت عظمة الخالق وقدرته سبحانه في تدبير وتصريف هذا الكون كيف يشاء.. ما هي إلا انتصارات وهمية ديماغوجية لقضايا كل أمة تحاول أن ترتكب مثل هذا النمط من الاحالات.. بغية الظهور بمظهر الاقتراب من الحق أمام بعد الآخر عنه!!.. مما جعل اضطراب هذه الاحالات وتصادمها أحياناً كما في تفسير ريتا وكاترينا من خلال رؤيتين واحدة اسلامية والاخرى يهودية يبدو مضحكاً وغير مقنع، وقد يدفع بالاتجاه الخاطئ للطرفين في وقت واحد. لهذا ولأنني لست معنياً بعوفاديا يوسف وجماعته.. فإنني كنت ولا أزال أتمنى على الاخوة الذين يفضلون هذه الاستخدامات من الجانب الاسلامي أن يترفعوا عن ذلك لسبب بسيط وهو أننا طالما نؤمن أن ديننا هو الحق بثبوتياته التي لا يغيرها وقوع ظاهرة كونية هنا في هذا الطرف من العالم او هناك.. بقطع النظر عن المتضرر ودينه ولونه لأنها مشيئة الهية لا علاقة للتقوى فيها ولا للفسق ولا لهذا الدين او ذاك.. أقول طالما أننا نؤمن بهذا الدين العظيم.. فلسنا بالنتيجة بصدد دعمه بمثل هذه البراهين العنكبوتية التي قد تقف الى جانبنا حين تكون الواقعة اعصاراً عارماً على سواحل نيواور ليانز او انزلاقاً ارضياً في بعض قرى غواتيمالا.. رغم لا انسانية التشفي أياً كان المتضرر.. لكنها حتماً لن تكون كذلك حينما تتضرر مدناً باكستانية وأفغانية وهندية بفعل واقعة أخرى. هذه التخريجات لا تعزز موقع الطرف الذي يعتقد انه يمسك بزمام الحق.. بقدر ما تسخر معطيات المشيئة الالهية بشكل مؤقت لاستثمارها في غير موقعها.. مما يجعلها عرضة للضعف متى حدثت هذه الظواهر في موقع لا ينتظره صاحبها. لذلك فهي أقرب للشماتات السياسية التي تكتسي عباءة الدين وبالتالي لا أعتقد انه يجوز أن تصدر تحديداً من المسلمين.. لسبب بسيط وهو أن الدين الاسلامي وان قدم الامثلة على هلاك بعض الأمم التي ضلت عن سواء السبيل.. بمثل هذه الظواهر الكونية التي يرسلها الله سبحانه كالطوفان والريح والرجز.. والتي وردت في قصص القرآن الكريم للعبرة.. إلا انه لم يسوغ فيما أعلم تفسير أي واقعة على هذا الأساس.. لانه باختصار شديد لا يحتاج الى من يدلل على يقينيته بأية مظاهر، حتى ولو كانت بمثل هذا الحجم الذي تتجلى فيه عظمة الخالق وضعف المخلوق، وان كان هذا المخلوق بمثل وزن أمريكا كقوة عظمى على الأرض (طبعاً) وليس في السماء، أي بموازين ومقاييس هذا الكويكب الصغير الذي يقبع في هذا الركن البسيط والضئيل من مجرة ربما تكون من أصغر المجرات وأقلها شأناً.. أمام عظمة الله الخالق سبحانه. [email protected]