مما لا شك فيه أن الفساد يعد آفة هذا العصر، فهو ينخر في المجتمعات مثلما ينخر السوس في الخشب، ومثلما ينخر السرطان في الجسم؛ فالفساد يُضعف من الجهود المبذولة لتعزيز التنمية، ويعد عائقاً أمام تحقيقها؛ فالعلاقة بين الفساد والتنمية علاقة وثيقة؛ فكلما زاد الفساد كلما قلت التنمية، ولعل خير تعبير عن هذه العلاقة ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة "لا تتركوا الفساد يقتل التنمية". ولقد تنبهت الأممالمتحدة لخطورة الفساد، فاعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2003م اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، والتي دخلت حيز التنفيذ في كانون الأول/ ديسمبر 2005، واختارت الجمعية العامة -بموجب القرار رقم (58/4) الصادر في 31 أكتوبر 2003- يوم التاسع من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام يوماً عالمياً لمكافحة الفساد. وفي الحقيقة إن يوم التاسع من ديسمبر يشكل مناسبة هامة من أجل إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد وعن دور اتفاقية الأممالمتحدة في مكافحته، وتوحيد الكلمة ضد الفساد الذي يلتهم ثروات الشعوب، ويمثل عائقاً وحائلاً كبيراً أمام جهود التنمية. وبمناسبة هذا اليوم يجب أن يدرك الجميع أن خطورة الفساد لا تتوقف على الفرد فحسب، وإنما تشمل خطورته المجتمع ككل، الأمر الذي قد يؤدي في نهايته إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد والإضرار بأحوال العباد. ومن هنا ومن هذا اليوم نقول إن مكافحة الفساد باتت أمراً ضرورياً، بل إنه يمثل واجباً يقع على عاتق كل مواطن شريف يحب بلده، ولكن قبل مكافحة أي شيء لابد من التعرف أولاً على أسبابه، فمعرفة سبب الداء تمكننا من معرفة الدواء، وبطبيعة الحال لا يتوقف الفساد على سبب واحد، بل تتداخل في انتشاره عوامل وأسباب كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ضعف الأنظمة القانونية والأجهزة الرقابية والتي تكاد تخلو من تخصص القانون، غياب المساءلة والشفافية، انتشار البيروقراطية وتعقد الأنظمة الإدارية،...الخ؛ وفي الحقيقة إن هذه الأسباب قد تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، ولكن أياً كان الأمر فإن الوقوف على مثل هذه الأسباب وغيرها، لو تم علاجها والقضاء عليها لأدى إلى القضاء على الفساد بكافة أنواعه وأشكاله. وفي النهاية لا يسعنا إلى أن نقول إن مكافحة الفساد هي السبيل الوحيد بل والطريق الأمثل والأفضل نحو نجاح أي دولة، وتبوئها موقعاً متقدماً بين دول العالم المتقدم والمتمدن، ولكن لا يتأتي ذلك إلا من خلال مجموعة من الإصلاحات والآليات منها ما يلي: - مشاركة المواطن مشاركة فعالة لمكافحة الفساد ومحاربته. - تعديل الأنظمة القانونية بما يتواكب مع مقتضيات وتطورات العصر، وبما يحد من الممارسات الفاسدة، ومعاقبة مرتكبيها. -تأهيل الكوادر القانونية في الأجهزة الرقابية والاهتمام في الإدارات القانونية في جميع المؤسسات الحكومية - الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الفساد، وعلى رأسها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد. - إشراك منظمات المجتمع المدني في وضع استراتيجيات وطنية لمكافحة الفساد. - اختيار الموظفين على أساس الكفاءة والأمانة والتخصص، فإن خير من استأجرت القوي الأمين. - إعطاء مؤسسات الدولة دوراً رقابياً وعقابياً فعالاً. *أستاذ القانون المشارك بجامعة الطائف