من المعروف أن منطقة الخليج العربي كانت وما زالت وسوف تظل مطمعاً لكل من يسعى إلى التوسع والتغلغل أو الاستحواذ على مناطق ذات أهمية استراتيجية من حيث الموقع الاستراتيجي والثروة حيث تمثل هذه المنطقة سرة العالم وملتقى طرق المواصلات الدولية البرية والبحرية والجوية، وكذلك نقطة التقاء لكيابل الاتصالات الدولية وهذه وغيرها من الأسباب التي مكنت كلاً من الخطوط الجوية الإماراتية والاتحاد والقطرية من أن تستحوذ على حصة الأسد من الركاب وجعلت من تلك الدول ممراً ومعبراً ومحطة توزيع لملايين المسافرين الذين يسافرون من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب وبالعكس . كما إن ذلك هو ما يفسر اهتمام بعض الدول الكبرى بالمنطقة ويدفعها إلى إقامة قواعد برية أوبحرية بالقرب منها، ليس هذا وحسب بل إن ذلك الموقع من بين أسباب ودوافع كل من إيران وإسرائيل للتمدد والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي أملاً منهما في زرع الفوضى والتناحر الذي يسهم في تسهيل مهمتهما في محاولتهما التوسع والسيطرة على مقدرات دولها وشعوبها كما هو حادث من تدخلات في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن وغيرها. اعتماد دول الخليج على البترول والغاز كمصدر أول للدخل بنسبة تصل إلى 90% نقطة ضعف كبرى لأن ذلك الأسلوب يمكن أن يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي لتلك الدول، وبالتالي الأمن العام والقدرات العسكرية من خلال عدة فعاليات يأتي في مقدمتها أولاً انخفاض أسعار البترول كما حدث في التسعينيات من القرن المنصرم وكما هو حادث هذه الأيام إن قرب وإطلال وامتلاك دول الخليج واليمن ومصر لأهم المضايق والممرات المائية العالمية مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس التي تتحكم بالتجارة العالمية رفع من أهمية تلك الدول، فهذه المضايق تمثل عنق الزجاجة لأن أكثر من 75% من عمليات التبادل التجاري ونقل البترول والغاز بين الشرق والغرب يمر من خلال تلك الممرات ولذلك تعتبر السيطرة عليها والتحكم بها حلماً يراود أطرافاً عديدة حتى إن الرئيس اليمني قال بعد اجتياح الحوثيين لصنعاء: إن من يتحكم بمضيق باب المندب سوف لن يحتاج إلى قنبلة نووية لفرض أجندته على الآخرين. مساحة الجزيرة العربية (دول الخليج واليمن) تمثل اكثر من 35% من مساحة أوروبا وهي مساحة شاسعة مع عدد سكان متدن. إن مساحة أوروبا تفوق مساحة الجزيرة العربية ثلاث مرات فقط لكن عدد سكان أوروبا يفوق عدد سكان الجزيرة العربية عشر مرات بما في ذلك العمالة الأجنبية التي تقدر ب 18.5 مليوناً في دول مجلس التعاون فقط. ليس هذا فحسب بل إن وجود العمالة الأجنبية بصورة "متفاقمة" خلل ديمغرافي يجب تصحيحه. ولعل هذه المفارقات من أكبر نقاط الضعف التي يرتكز عليها الطامعون في تبرير أجندتهم فكأنهم يقولون لأنفسهم إن السيطرة على تلك المناطق سهل بسبب قلة عدد السكان الأصليين ومما يسهل مهمتهم نشر الإرهاب والفوضى والاقتتال فيها فمثل تلك الافعال هي المفتاح الرئيس للتدخل الأجنبي كما هو حادث في العراق وسورية وغيرهما ممن أصبح لقمة سائغة للطائفية والتدخلات الأجنبية والاقتتال والتدمير والتشرد. غنى منطقة الخليج بالثروات الطبيعية مثل البترول والغاز والفوسفات والمعادن النفيسة من أكبر الحوافز للتآمر والتمدد ومحاولة الاستحواذ. وإيران جربت مثل تلك الممارسات من قبل ونجحت في ذلك مثل استحواذها على منطقة الأحواز عام 1925م واستغلال ثروات تلك المنطقة والمتمثلة في البترول والغاز والإطلالة على الخليج العربي ناهيك عن تكرار ذلك الفعل من خلال الاستيلاء على الجزر الإماراتية الثلاث والعمل على دمجها في الكيان الإيراني. أما اسرائيل فهي قائمة من الأساس على الاحتلال ومازالت تمارس الاحتلال والاغتصاب والتهويد وتشريد الشعب الفلسطيني. ومحورا الشر إيران وإسرائيل تقفان جنباً إلى جنب بصورة مباشرة وبصورة تكاملية خلف الخراب والدمار وعدم الاستقرار واغتيال القيادات والرجالات المعوّل عليهم في كل من العراق والشام واليمن على اختلاف النسب والولاءات، فلكل منهما عملاؤه ولكل منهما أجندته ولكل منهما أهدافه فالمصالح تجمع الأضداد ولعل الشعارات التي يرفعها الحوثيون في اليمن خير شاهد على ذلك، فهم يرددون الموت لإسرائيل والموت لأمريكا وهم يتجهون خلال ترديد تلك الشعارات نحو الاستيلاء على المؤسسات والجامعات الرسمية اليمنية وتدمير البنية التحتية والفوقية هناك مع الولاء لولاية الفقيه في طهران فالشعارات المرفوعة تناقض الفعل على أرض الواقع. الحرمان الشريفان لهما قداسة كبرى لدى جميع المسلمين، فمكة قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ومهوى أفئدتهم والمملكة تبذل الغالي والنفيس في سبيل خدمتهما وعمارتهما والتيسير على الحجاج والعمار، ولهذا وضع الإيرانيون نصب أعينهم العمل على الوصول إلى تلك الديار من خلال تبني نظرية أم القرى -الايرانية- الطريق الى مكة والمنامة، وهذا التوجه ذو شقين أحدهما سري ويتم العمل على تحقيقه ليل نهار، والشق الآخر ما يظهره التمدد والحراك الإيراني في دول الخليج واليمن وسورية ولبنان وبقية الدول العربية بما في ذلك التسلح الإيراني والعمل على إيجاد موضع قدم لهم في كل من العراق واليمن ولبنان وسورية بالإضافة إلى بحر العرب والبحر الأحمر. اعتماد دول الخليج على البترول والغاز كمصدر أول للدخل بنسبة تصل إلى 90% نقطة ضعف كبرى لأن ذلك الأسلوب يمكن أن يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي لتلك الدول وبالتالي الأمن العام والقدرات العسكرية من خلال عدة فعاليات يأتي في مقدمتها أولاً انخفاض أسعار البترول كما حدث في التسعينيات من القرن المنصرم وكما هو حادث هذه الأيام. وثانياً اتفاق الجميع على ان البترول والغاز ثروتان ناضبتان وفي أحسن الأحوال يقدر عمرهما الافتراضي بما لا يزيد عن 70 سنة من الآن. وثالثاً إن مصادر الطاقة البديلة أصبحت واقعاً ملموساً سواءً كانت تتمثل في الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو ما أصبح ملموساً مثل الطاقة الكهربائية التي أصبحت تسير القطارات والسيارات أو السيارات الهجين التي تعمل بالبترول والكهرباء معاً بصورة متبادلة. ورابعاً تمكنت التقنية من تطويع البترول والغاز الصخري وإنتاج الوقود الأحفوري منهما حتى إن أمريكا وكندا أصبحتا على أبواب الاكتفاء الذاتي وهذا من أسباب التخمة البترولية في الأسواق العالمية وبالتالي انخفاض أسعار البترول. نعم لا زالت تكلفة استخراج البترول والغاز الصخري عالية وعملية التطويع هذه سوف تمر بعدة مراحل تطور تؤدي إلى زيادة الإنتاج وانخفاض التكلفة مع الوقت وهذا يشبه إلى حد ما تطوير تقنية أجهزة الحاسب الآلي والأجهزة الإلكترونية الأخرى حيث كانت كبيرة ومكلفة، واليوم أصبحت صغيرة وفعالة ومنخفضة التكلفة وهذه هي التكنولوجيا تبدأ بالكم وتنتهي بالكيف مع انخفاض التكاليف. وذلك من خلال مؤسسات ومراكز البحث والابتكار والتطوير التي يجب أن نوليها عناية فائقة. ليس هذا وحسب بل إن الثروة البترولية يوجد من يحسد دول الخليج عليها فهناك من يبرر تدخله أو تآمره بأن تلك الثروة كثيرة على دول الخليج ولذلك يجب أن يكون له نصيب منها بطريقة أو بأخرى دون مراعات للأعراف أو القوانين الدولية. دول الخليج تعمل ما بوسعها للتحديث والتطوير والارتقاء وهي في طريقها لأن تكون في مقدمة الدول النامية الأكثر تقدماً إلا أن ذلك لا يتوافق مع توجهات نظرية صراع الحضارات التي تغذيها وتتبناها القوى الصهيونية والقوى المتحالفة معها والقوى الطامعة في تلك المنطقة مما يحتم أن تعمل تلك القوى ضد إرادة دول الخليج بطريقة أو بأخرى لإجهاض خططها والوقوف حجر عثرة أمام برامجها وذلك من خلال نشر الإرهاب وعدم الاستقرار والضرب على وتر الطائفية والعرقية والمناطقية والإقليمية الضيقة حتى يصبح المتعاونون متخاصمين، ويساعد على ذلك ويجذرله الفساد والبطالة والأزمات المعيشية التي ربما يعاني منها البعض والتي تستخدم كوسيلة إقناع لكل فاشل أو ضعيف إدراك، أو حاسد أو حقود، أو باحث عن دور لا يستحقه، ناهيك عن التنافس غير الإيجابي خصوصاً أن العرب يتعاملون بالعاطفة أكثر من العقل. نعم ما تمت الإشارة إليه معروف للجميع، ولكن كنقاط أو مفردات لا يتم الجمع بينها من أجل وضع استراتيجية عملية شاملة موحدة للحيلولة دون تفاقمها من ناحية، ووضع الحلول الفورية لكل منها من ناحية اخرى، ولعل دعوة الملك عبدالله –حفظه الله – دول الخليج للاتحاد خير وسيلة للعمل بصورة جماعية حتى وإن كان الامر على مراحل. تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادى إن الاتحاد والتخطيط الاستراتيجي المشترك والمتمثل في زيادة عدد السكان وبالتالي الاستغناء عن العمالة الأجنبية على المدى الطويل وإيجاد مصادر دخل متجددة وبديلة للبترول وحل مشاكل الإسكان والبطالة والوقوف أمام التمدد الأيراني من خلال بناء قوة عسكرية موحدة متمكنة عدداً وعدة يحسب لها ألف حساب، ليس هذا وحسب بل إن تسريع البرامج النووية لدول الخليج سوف يمكن تلك الدول من استخدام تلك الطاقة في الأمور السلمية خصوصاً في مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه سوف يكون له أثر بالغ في عدم التأثر للمشاكل الناجمة عن تأرجح سوق البترول وتقلب أسعاره. نعم إن مجلس التعاون مر في اختبار صعب وقد نجح في اجتيازه ولا أدل على ذلك من أن بيان قمة التعاون المنعقدة في الدوحة قد وضع النقاط على الحروف إلا ان المشكلة تتمثل في أن شعوب الخليج ترى أن عمر مجلس التعاون يناهز الثلاثين عاماً حتى الآن وما تم أقل بكثير مما كان مؤملاً منه. لكن اليوم أصبح مجلس التعاون أمام خيارين لا ثالث.. لهما هما أن يكون أو لا يكون أمام الهجمة الإيرانية والتدخلات الخارجية وأزمة الإرهاب وملحقاتها، ولذلك فإن الاتجاه إلى العمل الموحد أصبح ضرورة وذلك حتى يتم تحويل البيانات إلى واقع عملي يلبي طموح شعوب وحكومات هذه المنطقة المباركة إن شاء الله. ولذلك يجب أن يعمل الكل على أتمامه دون شعور بالامتعاض لأن الفائدة للجميع وهذا لا يتعارض مع المصالح الخاصة لكل طرف. والله المستعان.