"إنها سلم إلى سماء الثمانينيات". هكذا بكل جرأة، مدعومة بثقة بالغة صنعتها الخبرة في عالم الموسيقى وصناعتها، صرح سيمور شتين الرئيس في وارنر بروذرز للموسيقى ومؤسس تسجيلات ساير، عندما سمع هذه الأغنية قبل تسجيلها، في إشارة إلى النجاح الذي ستحققه هذه الأغنية مقارنة برائعة "سلم إلى السماء" لفرقة ليد زبلين عام 1971م، والتي سبق وأن استعرضناها في هذا الزاوية من قبل. من المثير للاهتمام أن هذه الأغنية لا تأتي في اتساق تام مع الخط الموسيقي العام الذي رسمته الفرقة لنفسها في تاريخها الذي يسبق هذا الأغنية وما بعدها، لكنها أصبحت الأغنية الأبرز التي ظلت تمثل الفرقة في تاريخها القصير الذي بلغ 5 سنوات باذخة النشاط. ظهرت الأغنية منفردة في البدء، ثم خُطط لإصدارها على الوجه الآخر من تسجيل الأغنية المنفردة التي سبقتها "ويليام، لم يكن الأمر شيئاً" ثم في ألبوم "كتلة جوفية – Hatful of Hollow" والذي يصنف كألبوم تجميع ظهر في أمريكا الشمالية وأستراليا، ثم مرة ثالثة وأخيرة في الألبوم الرسمي الثاني للفرقة "اللحم قاتل – Meat is Murder" والذي صدر في عام 1985م، ووصل إلى منتصف العشرينيات في أفضل 50 ألبوماً لذلك العام في المملكة المتحدة، ثم اختارته مجلة "Q" الموسيقية ضمن أفضل 100 ألبوم في تاريخ الموسيقى البريطانية، ومجلة رولينع ستون في أفضل 500 ألبوم في التاريخ. من المثير للاهتمام أن كتابة هذه الأغنية جاءت في سياق وقائع عدة تؤكد صحة الحالة الفنية والإبداعية لفرقة ذا سميثز وقتها، إذ كان جوني مار عازف الجيتار في الفرقة قد فرغ من تلحينها بالتزامن مع تلحين أغنيتي "ويليام، لم يكن الأمر شيئاً"، ثم "أرجوك، أرجوك، أرجوك، دعني أحصل على ما أريد"، كل ذلك في أربعة أيام، بعدها تم العمل مع أعضاء الفرقة الآخرين لتسجيل اللحن. موريسي المغني الرئيسي وواجهة الفرقة التحق بالمجموعة لتسجيل الأغنيات التي قام هو بكتابة كلماتها، ولم يستغرق الأمر إلا مرتين ليسجل الأغنية بشكل رائع. كلمات الأغنية البديعة في شعريتها، تأتي في قصة واضحة ومحددة، شخص يعاني من خجل بالغ يمنعه من تكوين أي علاقة عاطفية. بغضب شديد يطلب من ذلك الذي يخبره بأنه "يفعل الأشياء بالطريقة الخطأ" أن يخرس، لأنه إنسان يحتاج للحب مثل أي أحد، هذا المونولوج الذاتي عن تعرية الذات والغضب يأتيان في المقطع الرئيسي المكرر والكورس الذي يليه مرتين، بينما تنتهي الأغنية بشكل مختلف في الجسر الذي يأتي محاولاً الاستفاضة في المشورة لما يجب فعله، هناك مكان يتجمع فيه الناس، اذهب هناك وابحث عن أحلامك، أو غادر دون أن تفعل، عد لمنزلك وابك حظك، ودع رغبتك بالموت تتجدد. ثم تنتهي الكلمات في عود إلى صوت المونولوج الذاتي الذي يعاتب المستمع أو الناصح في الجسر بأنك قد أخبرته بأن الآن قريب جداً، ويتساءل حسناً لقد انتظرت طويلاً، وتبددت كل أحلامي!. افتتاحية الكلمات مقتبسة عن العمل الروائي المهم "ميدل مارش" للروائية الإنجليزية "جورج إيليوت" الاسم المستعار للسيدة ماري آن إيفانس، والتي كتبت عملها باسم رجل ليؤخذ بجدية كما ذكرت، ما يجعلني أجرؤ على القول بأن الاقتباس لا يتوقف عند النص العظيم فقط بل وفكرة الانتحال الجندري التي لها دلالاتها البالغة، كما أن عنوان الأغنية نفسه، قائم على فكرة السؤال الذي طرحته الناقدة الأمريكية "مارجوري روزن" كعنوان لأحد فصول دراستها النسوية البارزة في السينما "زُهرة الفشار – Popcorn Venus" عام 1974م. هناك العديد من التفسيرات التي نحت نحو التحليل النفسي بأن موريسون يحاول استكشاف هويته الجنسية من خلال الكلمات، الهوية التي ظلت عصية دون أي تصريح من موريسون الذي يحسن العبث بالكلمات في الكثير من المقابلات، المماحكات اللفظية والكثير من الاعترافات المتناقضة، والتي وصلت بتأكيد من رفيق دربه جوني مار بأنه لا يحمل أي هوية في هذا الأمر، وأنه ظل رجلاً وحيداً طوال حياته فيما يتعلق بالأمر. هذه التفسيرات والتأويلات قادت فرقة الثنائي الروسي "تاتو – t.A.T.u" لإعادة إنتاج الأغنية وتوزيعها، لتتناسب مع الهوية التي خلقنها، لتسويق ألبومهم الانجليزي الأول "200كم/س في الاتجاه الخاطئ" عام 2002م، والذي اختفوا من بعده للأبد. بنية الأغنية اللحنية تم العمل عليها جيداً وبفرادة منقطعة النظير، فالجيتار الذي يتردد بلا انقطاع من خلال صوت صدى مميز، خلق البصمة الخاصة لها والإيقاع الشهير، حيث اشتغل جوني مار على خلق الاهتزاز من خلال أكثر من جهاز، باستخدامات تقنية متعددة في ذلك الوقت، هذا الاستخدام المتعدد كان يحتاج لتزامن مهم بين الأجهزة، الأمر الذي دفع الفرقة للعمل مطولاً لضبطها، ثم جاءت فكرة الجيتار الجانبي "سلايد" الذي تبدو طريقة ضبطه ببراعة أمراً مثيراً للانتباه دون أي ادعاء على إمكانية تفسيره بالنسبة لي حتى اللحظة. كل هذه البراعة قابلتها صعوبات جمة في أداء الأغنية في الحفلات الحية، ما جعل الفرقة تعاني كثيراً بسبب طلب الجماهير الدائم لها. تم تصنيف الأغنية بأنها أفضل ما تم إنتاجه في الثمانينيات المنصرمة من القرن العشرين على الأقل وكما هو مفهوم في الأغنية الغربية تحديداً وفي بعض القوائم الأوروبية، كما أنها مصنفة ضمن قائمة مجلة "رولينج ستون" في قائمتها الشهيرة عام 2004م لأعظم 500 أغنية في تاريخ الأغنية الحديثة. كما تم إعادة إنتاجها وتوزيعها من قبل العديد من الفرق في المملكة المتحدة مثل "سوهو"، و"ميت من"، و"بارادايس لوست"، والولايات المتحدة مثل "سنيك ريفر كونسبيرسي"، و"ذا كراين سبيل"، كما ظهرت في فيلم "مغني الزفاف" عام 1998م، في نسختها الأقل من الدقائق الستة التي تم قصها إلى أربع لضرورة البث الإذاعي والتلفزيوني.