جدل طويل ربما لن ينتهي إلا برحيل فيتور بيريرا إلى بلاده وطوي ملفه للأبد، فالمدرب البرتغالي الذي قدم من مقعد تدريب نادي بورتو أثار الغبار من حوله بجملة من القرارات على صعيد ناديه، وأخرى أدخلته في نفق حرب باردة مع الإعلام الرياضي الذي رآه جاهلا من جانبه، بينما يرونه من جانبهم مغرورا وعصبيا ولا يقدم ما يوازي ما دفع فيه. بيريرا الحانق على عدم وجود احترافية يبني منها نقطة البداية لحلمه الكبير بربيع تدريبي في الأهلي، سعيد في المقابل لأنه - على حد قوله - يعمل مع إدارة متجاوبة وصناع قرار يمنحونه الصلاحيات كاملة، وبجمهور عاشق يساند الفريق في كل مكان لذلك قرار الاستمرار ومواصلة التحدي لأجل إعادة البطولة الهاربة من دولاب الأهلي رغم أنه كان أول المتوجين بها. وعندما حاورنا الرجل قدم من الأطروحات والإجابات الصبورة ما يؤكد أنه يحمل الكثير لأجل المستقبل لو أنهم ساعدوه بالصبر ومنحوه المزيد من الوقت.. وهنا في هذا الحوار كان كريما وهو يتحدث بصراحته المعهودة عن كل شيء بلا رتوش.. فماذا قال؟! فيتور بيريرا المدرب الشهير الآن ترى من أي نقطة بدأت علاقته بكرة القدم؟ عشقت كرة القدم منذ الطفولة لكنني برزت فيها بشكل كبير في دوري الجامعات حيث إنني كنت طالبا بكلية التربية الرياضية في إحدى الجامعات بمدينة بورتو البرتغالية وبعد تخرجي من الجامعة أصبحت معلما للتربية الرياضية وأثناء ذلك كنت أمارس الكرة كلاعب، وبعد اعتزالي اللعب توليت تدريب أحد الأندية في دوري الدرجة الثانية هناك بالبرتغال إلى أن أصبحت مساعد مدرب بفريق بورتو البرتغالي وحققت مع المدرب أندريه في تلك الفترة العديد من النجاحات على المستوى المحلي والأوروبي، وبعد رحيل أندريه إلى تشلسي الإنجليزي لتدريبه عرض علي الانتقال معه لأكون مساعدا له لكنني تلقيت حينها عرضا من بورتو لأكون المدرب الأول للفريق وهو الأمر الذي كنت أسعى وأطمح إليه مما جعلني أرفض عرض أندريه الذي جدد عرضه لي مرة أخرى بعد توليه تدريب توتنهام لكنني رفضت مجددا كوني كنت أحقق النجاح تلو الآخر مع بورتو وكنت أسير مع الفريق بشكل جيد، وفي موسمي الأخير مع بورتو لم أكن راضيا عما حققته رغم أن النتائج لم تكن سيئة فآثرت الانتقال لتدريب فريق آخر وخوض تجربة جديدة. لذلك قبلت عرض الأهلي بالتحديد؟ قبلت عرض الأهلي لعدة أسباب أبرزها أنني علمت أن الفريق لم يتوج ببطولة الدوري منذ سنوات طويلة مما شكل تحديا كبيرا بالنسبة لي وأنا رجل أهوى الصعاب وأعشق التحديات، إضافة إلى أنني كنت تواقا لخوض تجربة جديدة مختلفة كليا عن الكرة الأوروبية والتعرف على فكر جديد وثقافة مختلفة تنمي خبراتي الفنية. يغتالون الكرة وهل وجدت ما كنت تبحث عنه؟ نعم، ولكنه سرني في أمور وساءني في أخرى، فالطقس هنا جميل جدا ومختلف تماما عن الأجواء في بلادي، ففي مثل هذا الوقت يكون البرد قارسا جدا في البرتغال وتتساقط الثلوج ولا أدري كيف سأواجه هذا الطقس عند عودتي لقضاء الإجازة خلال فترة التوقف مع والدتي وعائلتي، لكنني صدمت بالفكر والعقلية الكروية للاعب السعودي، فهي بعيدة كل البعد عن الثقافة الكروية الاحترافية التي تعاملت معها في بلادي، كما أنني صدمت أيضا بالتحكيم السعودي الذي يشوه جمال الكرة من وجهة نظري، فالصافرة تنطلق مع كل سقوط على الأرض وأنا لا أحتمل أن أرى كرة القدم الجميلة الممتعة تغتال وتشوه بهذا الشكل. صدمت بالواقع جئت للأهلي لتحقيق البطولات كما صرحت عند قدومك لكنك غيرت الهدف إلى البحث عن المركز الثالث في سلم ترتيب الدوري، ثم أصبحت تتحدث عن البناء ألا ترى أن هناك تناقضا وغموضا حول أهدافك مع الفريق الأهلاوي؟ ليس هناك تناقض أو غموض على الإطلاق فقد قدمت للأهلي رغبة مني في تحقيق بطولة الدوري التي غاب عنها الفريق طويلا وهو التحدي بالنسبة لي كما ذكرت لك لكنني فوجئت بالعديد من الأمور لعل أبرزها طريقة تعاطي اللاعب السعودي مع الكرة والتي تختلف كليا عن اللاعب الأوروبي، فاللاعب في بلادي يعشق كرة القدم ويستمتع بممارستها أكثر من أي شيء آخر، لذا تجده يسخر كل طاقاته وإمكاناته لخدمة الكرة وهذا ما لم أجده في اللاعب السعودي، إضافة إلى العديد من الأمور التكتيكية والفنية التي لم يستوعبها اللاعبون هنا مما اضطرني لإعادة النظر في طريقة تعاملي مع اللاعبين ورؤيتي التكتيكية التي أعدت صياغتها لتتناسب مع اللاعبين، وهذا كله تطلب الكثير من الوقت وأثناء ذلك فقدنا العديد من النقاط من خلال التعادلات والهزائم حتى أصبح الفارق النقطي كبيرا بيننا وبين صاحبي المركز الأول والثاني، ولو واصلت حديثي بأننا نبحث عن اللقب لكنت كاذبا أمام نفسي واللاعبين والجماهير، لذا كان لابد أن أكون أكثر واقعية ومنطقية وأبحث عن المركز الثالث الذي يدخل في حدود المعقول من الأهداف الممكن تحقيقها في الوقت الحاضر، أما حديثي عن البناء فقد تم تفسيره بشكل خاطئ، فأنا لا أقصد تغيير جلد الفريق أو القيام بعملية إحلال أو ما شابه ذلك لكنني أقصد بناء عقلية احترافية لدى لاعبي الأهلي تكسبهم ثقافة العمل الجاد والمتواصل بلا توقف للوصول إلى تطلعات وطموحات جماهيرهم العاشقة. أين يكمن الخلل في الأهلي إذا تجاوزنا ما ذكرته عن العقلية والثقافة الاحترافية؟ الفريق الأهلاوي كان بحاجة إلى تصحيح العديد من الأمور أهمها إبعاد بعض اللاعبين الذين كانوا لا يرغبون في التواجد في خارطة الفريق الأهلاوي ومن لا يرغب في البقاء كان لابد أن يرحل وهذا ما حدث. يجب أن يرحلوا هل تقصد بحديثك هذا الثلاثي الأجنبي الراحل سيموس وسيزار ويونس محمود؟ هناك بعض اللاعبين لم تكن لديه الرغبة في البقاء مع الفريق كما ذكرت لك والبعض الآخر كان يريد البقاء في إطار قوانين خاصة يضعها لنفسه ويفرضها على الجميع بمن فيهم المدرب، وهذا من الممكن أن يكون مقبولا عند غيري من المدربين لكنني لا أقبل بذلك على الإطلاق، فأنا المدرب وأنا صاحب القرار وأنا من يضع القوانين داخل المستطيل الأخضر، ولن أقبل أن يحظى هذا أو ذاك بمعاملة خاصة ليتأخر عن التمارين أو يتغيب عنها أو يتجاهل التعليمات ويلعب كما يرى ويشاء، لذا كان لابد من بعض القرارات الحاسمة ولن أتحدث عن أسماء معينة احتراما للعبة كرة القدم ولمهنتي كمدرب. دعنا ننتقل بالسؤال إلى جهة أخرى، لماذا لا يسجل الأهلي ولماذا تضيع اللمسة الأخيرة أمام المرمى؟ لن أتحدث عن ظروف الإصابات لأنها جزء من اللعبة ولن أتحدث عن الحظ لأنني لا أؤمن به وسأعترف لك بأن العقم التهديفي في الأهلي بات لغزا محيرا بالنسبة لي، فقد كنا نهدر عشرات الفرص في مباراة واحدة ولو بحثنا عن إحصائية لعدد الفرص المهدرة من لاعبي الأهلي لخرجنا برقم مهول لكننا أصبحنا نسجل بشكل جيد في الوقت الراهن ويتضح ذلك جليا في المباريات الأخيرة وأعتقد أن تغيير الخارطة الهجومية في الفريق لها دور في هذا التحسن الملحوظ على الصعيد التهديفي. ثاني أفضل دفاع يلاحظ أنك لم تجد حلا حتى الآن لمشاكل الفريق في الخط الخلفي؟ لن أفعل، لأننا لا نعاني من مشاكل في الخط الخلفي على الإطلاق، فنحن ثاني أفضل خط دفاع بعد الفريق النصراوي متصدر الترتيب. هل سيقتصر طموحك في هذا الموسم على تحقيق المركز الثالث في سلم ترتيب الدوري؟ هذا هو طموحي على صعيد الدوري هذا الموسم لكنني سأسعى جاهدا للمنافسة على لقب كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال خاصة أنها البطولة الأخيرة هذا الموسم وهي فرصة لنا لإسعاد جماهيرنا الوفية. النجوم في السماء تتعامل مع الإعلام بأسلوب حاد ومثير للجدل خلال المؤتمرات الصحفية.. ما السبب؟ للأسف الشديد معظم أسئلة الإعلاميين هنا لا تمت للكرة بأي صلة ولا تحترمها وهذا ما يزعجني حقا، فهناك الكثير من الأسئلة المنصبة حول لاعب معين لأنهم يرونه نجماً وبالنسبة لي النجوم لا توجد إلا في السماء خلال الليل حيث أستمتع بمشاهدتها، أما في الملعب فلا وجود للنجوم، فهناك فريق من 11 لاعبا ومدرب وجماهير والكل يسعى للفوز ولا شيء غير الفوز وهذه هي متعة كرة القدم. أنا من سيرحل من بين الرباعي الأجنبي المتواجد حاليا من الأقرب للرحيل؟ ولماذا لا يكون مدرب الفريق هو الذي سيرحل! ما أقصده هو أننا نتحدث عن المستقبل وهو دائما مجهول بالنسبة لنا، لذا ليس من الحكمة أن نتحدث فيه حتى يحين وقته، أما الآن فنحن ما زلنا في مهمة نحتاج إلى إنهائها بنجاح وهذا هو ما يشغلني فقط في الوقت الحاضر. هل أستنتج من حديثك أنك تلمح بالرحيل؟ من قال ذلك، أخبرتك بأن المستقبل مفتوح على جميع الاحتمالات، فبعد نهاية الموسم سيكون هناك اجتماع بيني وبين اللاعبين لتحديد الرغبة والمصلحة في بقائهم من عدمه، كما سيكون هناك اجتماع آخر بيني وبين الإدارة الأهلاوية لتقييم أدائي ومدى رضاهم عن النتائج، عندها فقط ستتضح الصورة بشكل كامل. بصراحة هل أنت سعيد في الأهلي؟ نعم أنا سعيد ولا أمانع في البقاء لمواصلة عملي ولكن السؤال الأهم هل صناع القرار في الأهلي سعداء بوجودي أعتقد أن إجابة هذا السؤال مهمة أكثر من سؤالك. مريض بالكرة وسط هذا كله ماذا تعني لك كرة القدم؟ لا أستطيع العيش بدونها وزوجتي تخبرني دائما أنني شبح لأنني أعيش مع عائلتي بجسدي لكن عقلي مشغول تماما بالكرة، فأنا أفكر فيها عند النوم والاستيقاظ حتى أنني أعيشها في أحلامي، وأستطيع أن أقول لك إن كرة القدم تحولت إلى مرض يجري في دمي، إنه فعلا أمر رهيب. بالتأكيد لك فريقك المفضل ومن هو اللاعب الأفضل عالميا من وجهة نظرك؟ لا يوجد لدي فريق مفضل، فأنا أعشق مشاهدة 11 ضد 11 لاعبا آخرين والكل يبحث عن الانتصار عندها فقط أستمتع بكرة القدم، ومن هذا المنطلق فأنا معجب جدا بفكر المدرب غوارديولا الذي يتعامل مع كرة القدم بهذا المنطق وينقل هذه الثقافة للاعبيه، كما أنني أرى أن الدوري الإنجليزي هو الأفضل وأستمتع كثيرا بمشاهدته، أما نظرية اللاعب الأفضل، فهي مجرد نظرية لا أساس لها من الصحة لذا تجدني أصفق مرة لميسي وأخرى لرونالدو وثالثة لريبري باختصار أرى أن الكرة أفضل من أي لاعب. بالتأكيد هناك رسالة تود إيصالها للجماهير الأهلاوية؟ أريدهم أن يعلموا أنني أسعى جاهدا بكل إمكاناتي لإسعادهم من خلال بناء فريق يستحق المنافسة على البطولات، لذا أطلب منهم كل الثقة والدعم. أدعوك للبرتغال وأخيرا ماذا يود بيريرا أن يضيف؟ أشكرك على هذا الحوار الشيق الذي لامس شغفي وعشقي للكرة وأحيي فيك كفاحك وعزيمتك التي سمعت عنها من الإدارة الأهلاوية، وأثق تماما أنك ستشق طريقك بنجاح لتحقيق أهدافك، وأنا أفخر بإجراء هذا الحوار الصحفي مع شخصية تستحق كل الاحترام والتقدير وأدعوك لزيارة بلادي في القريب العاجل.نقلا عن عكاظ.