حذر الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، من تنامي ظاهرة العنف الأسري، مشددا على ضرورة سن التشريعات الرادعة لحالات العنف خاصة التحرش، إضافة إلى الحرص على الإصلاح, وتلمس مواطن الخلل لأن المجتمع العربي المسلم الذي يصلي لربه كل يوم خمس مرات ويبدأ علاقته السلام؛ من شأنه أن يجعل ظاهرة العنف محل استغراب واستهجان ومن ثم إصلاح وعناية، . وأوضح خلال محاضرته "موقف الشريعة الإسلامية من العنف الأسري" في مؤتمر نظمته جامعة الملك عبد العزيز الطبية بالحرس الوطني بجدة أن من أبرز خصائص مجتمعاتنا العربية والإسلامية التواصل وعلاقة الجوار والقرابة المتميزة عن غيرها إلا أن هذا لا يعني تجاهل المشكلات المتأصلة لدينا أو الطارئة بسبب انفتاحنا على العالم، مبينا أنَّ العنف الأسري, يعاني منه العالم كله، وأرقام التقارير والإحصاءات تكشف عن أن أربعة أطفال يقتلون أسبوعياً على يد أقاربهم في أمريكا. أرقام مفزعة ونوه إلى أن عددا من التقارير تكشف ارتفاع معدلات العنف ضد الأطفال في خليجنا لتصل إلى 47% , وتخص الأيتام ونحوهم وصولاً إلى 70% ، مشيرا إلى أن دراسة حديثة كشفت أن 45% من الأطفال السعوديين؛ يتعرضون لصور مختلفة من الإيذاء والعنف يوميًا، وأن ربع الأطفال السعوديين يتعرضون للتحرُّش بكافة أشكاله، وأكثر من 70% من المعتدين على هؤلاء الأطفال من المحارم. وقال: "في دراسة أخرى أجريت في مركز الرعاية الاجتماعية بالرياض كشفت أن 80% من المعتدين على الأطفال من الأقارب، وأن 8 من كل 10 حالات يكون المعتدي شخص يثق فيه الطفل أو يحبه"، مشيرا إلى أن هذه القضية من أخطر القضايا الاجتماعية التي يتم التكتم عليها خشية الفضيحة العائلية أو العار الاجتماعي، دون بذل جهود كبيرة لاستئصالها من مجتمعاتنا العربية. مفارقة وأشار د. العودة إلى أن المفارقة المحزنة هو ارتفاع معدل هذه الظاهرة على الرغم من أن مستوى المحافظة على الشعائر مرتفع أيضاً, بشكل متفوق على معظم البلدان الإسلامية!، والسؤال هو: لماذا لم تقمع العبادة هذا العنف ؟! وأكد على ضرورة تفعيل العبادة في نفوسنا وسلوكنا ومجتمعاتنا، وأن نعلم أن الله يُعبد بالصلاة والصوم، ويُعبد بالإحسان إلى خلقه، والله يحب المحسنين، ، لافتا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ»، وقال: "الرحمة بالبهائم والطير معتبرة شرعاً، فما بال الإنسان، وخاصة القريب من زوج أو ولد أو أب أو أخ"، مشيرا إلى أن الصلة بالله ذاتها تصنع هذا الإحسان، وهذا ما كان الأنبياء يلقنونه قولاً وفعلاً.. وفي الصحيحين أنه – صلى الله عليه وسلم - صلى مرة بالناس, وهو حامل أمامة بنت زينب بنت أبي العاصي بن الربيع وهو جدها صلى الله عليه وسلم فإذا سجد وضعها, وإذا قام حملها، رعاية لألمها وفقدها لأمها!، وكان يصلي فيريد أن يطيل الصلاة؛ فيسمع بكاء الصبي؛ فيخففها شفقةً على أمّه التي قد تكون دخلت في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: "هذا الانحياز السافر للحقوق؛ حقوق الأب والأم والولد، حتى حال العبادة , لا بد أن يكون مادة للحديث المستفيض, حتى يعلم المصلّون والصائمون أن العبادة الحقة آيتها أن تثمر قلوباً لينة رحيمة". حلول وأوضح أن أهم الحلول التي تسهم في الحد من العنف الاجتماعي هو الحوار وأساسه أن يعوّد كل منا نفسه أن يستمع للطرف الآخر ، صَغُر أم كبر فيستمع الأب لابنه ولو كان صغيراً والمسؤول لمن تحت يده ، سواء كان سائقاً أو موظفاً أو خادماً وكذلك المدرس لطلابه. واستشهد على ضرورة الحوار والاستماع للآخر أيا كان بقصة الغلام الشاب الذي أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وطلب منه الإذن بالزنا، بيد أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تلطف معه بعد أن زجره الصحابة, وأجلسه, ولم يخاطبه بآية أو موعظة, بل بما وجد فيه من نخوة متأصلة فيه وغيرة ظاهرة عليه , ودعا له بالمغفرة وتطهير القلب. وقال "نحن بحاجة إلى إزالة الحواجز في مجتمعاتنا , خاصة عند من نسميهم بالملتزمين وعموم الشباب ، بين الآباء والشباب ، بين الآباء والأجيال". توظيف الطاقات وأضاف د. العودة إلى ضرورة توظيف طاقات الشباب وبناء المؤسسات، مشيرا إلى أن المجتمع السعودي -مثلاً- مجتمع شبابي, يضم 70% من الشباب، من سن 16 إلى 23 مما يميزه عن شعوب العالم, وتلك الفئة باندفاعها وحماسها وتطلعها للمستقبل تحتاج إلى احتواء عن طريق توظيف طاقتها في المؤسسات والمراكز والجمعيات. وأشار كذلك إلى أن العدل حتى مع المخطئين ومن أجرموا أحد حلول هذه الأزمة، ففي البخاري ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " إذا زنت أَمَةُ أحدِكم فَتَبَيَّنَ زناها فَلْيَجْلِدْهَا الحدَّ ولا يُثَرِّبْ عليها ثم إنْ زنتْ فَلْيَجْلِدْهَا الحدَّ ولا يُثَرِّبْ عليها"، أي: لا يعاقبها بأكثر مما أمر الله -عز وجل- . وقصة الذي شرب الخمر فلعنه أحد الصحابة؛ فنهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى وهو يقيم الحد عليه, قائلا: " إنه يحب الله ورسوله "، وهنا يتجلى العدل حتى في الكلمة الطيبة الهادئة والخلق الكريم والابتسامة والنظرة . ولفت د العودة كذلك إلى ضرورة الترويح النفسي المعتدل كالقراءة والكتابة والتدريب على الخطابة وعلى السباحة وألوان الرياضات المباحة للشباب، بل وكل ألوان النشاط الذي من شأنه أن يربى مواهب الشباب ويستجيب لطموحاتهم، قائلا: "أولادنا وبناتنا بحاجة إلى ترفيه بريء حلال يحبه الله ويرضاه ويأذن به بدلاً من أن تؤول الأمور إلى أن يذهبوا إلى ضد ذلك" تشريعات رادعة وشدد د. العودة إللى ضرورة سن التشريعات الرادعة لحالات العنف خاصة التحرش ؛ مشيرا إلى أن المملكة العربية السعودية تتجه الآن إلى وضع الأطر القانونية لمسألة التحرش الجنسي عموما، وتعكف لجنة مختصة في مجلس الشورى على دراسة إصدار نظام لردع المتحرشين جنسيا، بهدف القضاء على هذه الظاهرة ، والوصول إلى بيئة نظيفة". وأكد في النهاية على ضرورة تعزيز قيم الإيمان بالله عز وجل والتأكيد على الخطاب الشرعي القائم على أساس الرحمة والصبر على الناس وتلقينهم القيم والأخلاق الفاضلة.