الحج الركن الخامس والمتمم لأركان الإسلام الخمسة والتي بني عليها، وهذا الركن الأساسي فرض على كل مسلم قادر على أداءه، والحج عبادة قديمة موجودة من قبل الإسلام قاموا به أتباع ملة إبراهيم فكانوا يؤدونها قبل ظهور الإسلام لكن الناس خالفوا بعض مناسك الحج وابتدعوا فيها حين ظهرت الوثنية وعبادة الأصنام. فالله الحكمة البالغة في أحكامه وتشريعاته، ومن أمعن النظر وتدبر في مجمل التكاليف الشرعية التي كلف الله بها العباد لتبين له السر الكامن الذي قصده الشارع الحكيم من ذلك التشريع، وفي مقدمة ذلك تحقيق العبودية لله عز وجل، في امتثال أوامره واجتناب نواهيه. الحج فرض على المستطيع، والمسلم وهو يؤدي هذه الشعيرة يستشعر عظمة الله عز وجل الذي يُعبَدُ في كل مكان وبكل لسان، فما من حركة ولا سكون يصدر من الحاج إلا وفيه سر عظيم يدركه من أخلص النية لله تعالى، فالله جل وعلا ما شرع شيئاً إلا لحكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، ولو تتبع المسلم شعائر الحج منذ أن يعقد الحاج العزم على الحج ويركب راحلته متوجهاً إلى بيت الله الحرام لوجد نفسه في عبادة بل عبادات متتابعة، فمناسك الحج القولية والفعلية كلها حكم ومقاصد لم تشرع سدى، وإنما فيها تعبد وتعظيم لله تعالي، منذ أن يلبي الحاج النداء بقوله "لبيك اللهم لبيك" فهذا بداية الاستجابة لله تعالي، وهذا غاية الامتثال والطاعة، وهو وفاء بالعهد الذي أخذه المسلم على نفسه، ودخول في العبادة التي يستشعر الحاج حلاوتها، وتطمئن نفسه إليها، وكل حاج تعمر قلبه السعادة وهو يلبي نداء ربه مقبلاً على الله بقلبه وقالبه مخلصاً العبادة له وحده، وتظهر علامة هذه الإقبال والإخلاص على وجهه، ويشهد عليها قوله وفعله، كيف لا وقد تكبد مشقة السفر في سبيل الله، وترك الأهل والوطن والمال والولد ابتغاء مرضاة الله. فالحج أعظم مؤتمر إسلامي، يجتمع فيه المسلمون من شتى بقاع الأرض في صعيد واحد مهللين مكبرين ملبين نداء رب العالمين يحدوهم الأمل، ويحفهم الخوف والرجاء، رافعين أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالي راغبين في مغفرته ورضوانه. ولو لم يكن في الحج إلا سر واحد لكفى ألا وهو كونه مكفراً للذنوب والمعاصي كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه". فهنيئاً لك أيها الحاج هذا النسك وتلك العبادة التي هي تلبية نداء وطاعة، وشوق ومحبة في كل لحظة وساعة سائلاً الله أن يجعل حجك مبروراً وسعيك مشكوراً وذنبك مغفوراً. المهندس/عبدالله عمر العمودي عضو الهئية السعودية للمهندسين