الحج هو النداء الإلهي من رب العزة والجلال، إلى نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فياله من ركن يختزن كل معاني الإنسانية، والرفعة، والسمو، ويجرد الناس من كل عوالق الطين؛ ليغسل القلوب، والعقول، والنفوس من براثن الشيطان، ليعاهدوا ربهم مرددين: (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك) معاهدةً صادقةً يعقدها العبد بينه وبين ربه، تقع دائمًا في بداية أمرها، فهي ليست نهاية له، وهكذا هي عبادة الحج. وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو رحلة إيمانية، وفرض على كل مسلم قادر، لقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، والحج لا يجب في العمر إلاّ مرةً واحدةً فقط، حيث تبدأ مناسك الحج في شهر ذي الحجة، بأن يقوم الحاج بالإحرام من مواقيت الحج المحددة، ثم التوجّه إلى مكة لعمل طواف القدوم، ومن بعد ذلك التوجّه إلى منى لقضاء يوم التروية، ثم التوجّه إلى عرفات لقضاء يوم عرفة، بعد ذلك رمي الجمرات في جمرة العقبة الكبرى، ويعود الحاج إلى مكة لعمل طواف الإفاضة، ثم يعود إلى منى لقضاء أيام التشريق، ويعود الحاج مرةً أخرى إلى مكة لعمل طواف الوداع، ومغادرة الأماكن المقدسة. ومن فضل الحج.. وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث النبوية عن فضل الحج، ما ورد في سنن الترمذي عن عبدالله بن مسعود أنه قال إن رسول الله قال: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلاّ الجنة). ومن منافع الحج العظيمة أيضًا اجتماع عام للمسلمين من شتّى أقطار الأرض يكون وراءه جمع كلمتهم، ووحدة صفهم، وإصلاح ذات بينهم، وتقوية أواصر المودة والرحمة والإخاء فيما بينهم. كما للحج منافع دنيوية منها التجارة ومختلف المكاسب. ومن أنواعه (حج التمتع، حج القِران، حج الإفراد).. ومن المواقيت التي حددها النبي محمد صلى الله عليه وسلم لمن أراد أن يحرم لأداء مناسك الحج والعمرة (ذا الحليفة.. الجحفة.. قرن المنازل.. يلملم.. ذات عرق ميقات أهل مكة). عزيزي القارئ .. إن للحج أجورًا وهباتٍ عظيمةً، وإننا جميعًا في أمسّ الحاجة إلى الحسنات ومغفرة الذنوب والسيئات. وأشيد بأن حج هذا العام يشهد تطورات هائلة أقامتها حكومة خادم الحرمين الشريفين من مشاريع ضخمة وعملاقة هيّئت لخدمة حجيج بيت الله العتيق لآداء مناسكهم بكل يسر وسهولة، واطمئنان ابتداءً من مشاريع توسعة الحرمين، ومشروع قطار المشاعر المقدسة، ومن رفع الطاقة الاستيعابية لمياه زمزم، والانتهاء من مشروع توسعة رمي الجمرات، وكذلك إقامة مهابط الطائرات المروحية على جسر رمي الجمرات، وتوسعة مشعر عرفات، وبناء ساعة مكة، وكذلك توفير الأمن والأمان، والرعاية الصحية، والخدمات الإرشادية والتوعوية والتثقيفية، والاستعداد التام لمواجهة التغيرات المناخية أثناء موسم الحج. وبما أننا في هذه الأيام الفاضلة الشريفة المحرمة في موسم التوبة وغفران الذنوب، فلا بد لنا من أن نخلص نياتنا لله سبحانه وتعالى، وأن نعلم أن هذه الرحلة هي رحلة تعبد إيمانية خالصة، مفادها الطاعة والعبادة على الوجه المشروع الذي أراده الله سبحانه وتعالى، وأن نتّجه بكل نياتنا وأعمالنا وأقوالنا وأفعالنا لله وحده لا شريك له، وأن نتجنب استغلال هذه الرحلة الإيمانية التعبدية في أمور أخرى دنيوية تبعدنا عن طاعة الله، وتقربنا إلى معصيته.