"هل سنقضي عمرنا في حل المشاكل" * أحيانا أحدنا لا يعير اهتماما للنصيحة رغم أنها كانت تباع "بجمل" على رأي أهل المثل، "كانت النصيحة بجمل"، وعندما لا نجد من ينصحنا نحاول تعويض ذلك عبر قراءة العِبر والحِكم التي ترويها لنا كتب السِّير والأخبار، فقد وقعت أخيرا على حكمة أطلقها الخليفة العثماني السلطان محمد الفاتح الذي تولى الخلافة بعد موت أبيه وهو في عمر 23 عاما، وهو سنّ مبكر قياسا بثقل الحكم وترامي أطراف الدولة التي كان يتولى خلافتها. ولم يكن صغر سن الخليفة الجديد هو المشكلة الوحيدة في توليه الحكم، إذ ثارت في وجهه مشاكل كثيرة منذ اللحظة الأولى لتوليه الحكم، فمن جهة أخذ الولاة يثيرون المشاكل أملا في الاستقلال عن الدولة الكبيرة، ومن جهة أخرى بدأت أطماع الجيران وأعداء الدولة العثمانية خارج الحدود يكيدون الدسائس في بلاط الحكم. وهنا، اقترح أحد الوزراء على الخليفة الشاب أن يعالج مشاكل الدولة واحدة تلو الأخرى حتى ينتهي منها، وهو ما دعا الخليفة للانتفاض، مطلقا جملته الشهيرة "وهل سأقضي عمري كله في حل المشاكل؟؟؟"، ووضع نصب عينيه هدفا أنهى من خلاله جميع المشاكل التي اعترضته خلال فترة حكمه. لا أدري لماذا اقتحمت مخيلتي صور المشاريع المترهلة لمدينة جدة مع آخر حرف نطق به الخليفة الفاتح، ولا أعلم كيف أن تدفق تلك الصور وتزاحمها في عقلي ربط بين مشاكل العصر العثماني وما نشهده يوميا من تعثر حقيقي وخراب قاد عروسنا لتشيخ قبل عمرها بكثير. فمن ينظر إلى جدة الآن يكاد لا يمر بشارع فيها إلا وفيه عمليات ترقيع، أو حفر أو برك ماء أو أسلاك كهربائية مكشوفة أو صهاريج صرف صحي تثير الاشمئزاز بأشكالها ورائحتها، فضلا عن المضايقات التي تحدثها في الشوارع، هذا ونحن لم نتحدث بعد عن الحدائق والمطار الدولي والأحياء العشوائية وافتقادها للخطط السياحية وغيرها الكثير، "فهل كتب علينا أن نقضي عمرنا كله ونحن نعاني من هذه المشاكل وهل تآمرنا جميعا عليها كي لا تنتهي". *لماذا نتوقع جميعا كمواطنين أن أي مشروع في جدة سيسلم للجهات الحكومية على أنه انتهى وهو لم ينته؟؟، ولماذا تصدق توقعاتنا في أن ثمة مشكلة سيتركها المقاول في المشروع الذي نفذه؟؟، فلا يكاد تمضي أياما على انتهاء أي مشروع، إلا ونرى فيه المعدات تعود ثانية لنفس المنطقة لتحفرها مجددا، "لأن ثمة خطأ وقع أثناء التنفيذ"، "فهل سنقضي عمرنا كله في حل المشاكل". ولو أجرينا جردة بسيطة لوجدنا أن معظم المشاريع الحكومية، إن لم تكن جميعها، *تسلم وعليها قصور، فإما نسيان ماسورة لم تركب أو أن مشروع نفذته الأمانة في منطقة وضعت فيها شركة الكهرباء نقطة خاصة بها، دون علم أحد بذلك، والنتيجة، نقضي حياتنا في حل مشكلة تجر وراءها الويلات على الوطن والمواطن.* وإذا كنا غير قادرين على تنفيذ مشروع واحد بدون مشاكل، فلماذا نضع خططا استراتيجية، وكيف سننفذ تلك الخطط العشرية أو الخمسية أو حتى كما يرغب بعض المسؤولين بخطط تمتد لربع أو نصف قرن. لا شك أن الأحلام تسعى دائما لتجميل الواقع، لكن الأجمل عندما تستطيع تلك الأحلام أن تجعل من واقعنا جميلا بالفعل، فالنوايا الحسنة لا تصنع دولا ولا تنقلنا إلى العالم الأول الذي نأمله، وإنما يجب أن يضاف إليها العمل بصدق والخبرة الكافية ووضع الرجال المناسبين في الأمكنة المناسبة لهم بحيث يسقطون أحلامهم بمنتهى الشفافية، جمالا على واقع مدينتنا. وأعتقد أننا إذا تمكنا من تحديد مسؤوليات كل جهة حكومية على حدة، واستطعنا إيقاف مهزلة تضارب المسؤوليات الحاصلة الآن فيما بينها، وإذا ما استطاعت تلك الجهات إيجاد تنسيق حقيقي قائم على العلم فيما بينها، وإذا ما تمكنا من تقديم المعلومات الدقيقة للمقاول الذي ينفذ مشروعا ما، وإذا ما نفذه بضمير وإخلاص وشعر بأن هناك من سيحاسبه فيما لو قصّر. وإذا ما استطعنا طرح مواضيع قابلة للتطبيق، وليست مجرد أحلام تبهرنا أثناء طرحها، وتنغص حياتنا طيلة العمر، لأنها تبقى حبرا على ورق، عندها نستطيع أن نقول للخليفة العثماني محمد الفاتح إننا سنخطو إلى الأمام وسنقضي يا أمير المؤمنين على مشاكلنا دون أن نقضي عمرنا كله ونحن نلهث في معالجتها. بسام أخضر [email protected] * *