إذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام هذا هو حالنا نحن المسلمين الأوائل الذين لم تثنهم المشاكل الصغيرة عن رؤية هدفهم الكبير والعظيم. فالتاريخ يحمل في طياته العديد من القصص والمواقف التي تصف واقع القوة والسمو الذي كان يسيطر على نفوس القادة المسلمين. السلطان محمد الفاتح من أشهر السلاطين الذين رفضوا الانصياع نحو سفاسف الأمور وتعالى عليها بحزم، ورفع من اهتمامات شعبه نحو العلى وكان هو المتقدم في صفوفهم. تولى الفاتح زمام الحكم وهو في سن صغيرة فلم يتجاوز الثالثة والعشرين سنة، فتكالب عليه العامة بمطالبهم وخلافاتهم، فبدأ الولاة في إثارة المشاكل رغبة في الاستقلال، وبعض المشاكل أثارها ضعاف النفوس ممن يرغبون في الحصول على عطايا ومنح السلطان. وهجم عليه المندسون من الخارج لإضعاف قوته، وبدأ جيران الدولة وأعداؤها يثيرون الزوابع ليروا إن كان قد حان الوقت ليقتطعوا بعض الأجزاء من الدولة العثمانية ويضموها إلى دولهم أم لا. فكان يتباحث مع وزيره آلية حل تلك المشاكل. وفي أحد الأيام كان السلطان يناقش وزيره مناقشة حامية، اقترح الوزير على السلطان أن تُرتب هذه المشاكل حسب أولويتها كي يشرع السلطان في معالجتها واحدة تلو الأخرى. هنا قال السلطان كلمة شديدة القوة والعجب قال: وهل سأقضي عمري كله في حل المشاكل؟ أعطوني خرائط القسطنطينية -الحصن الذي قهر كثيرا من الملوك والسلاطين - وبدأ بالفعل في تجهيز الأمة لهذه الغاية النبيلة، وتحقق الحلم وتبخرت المشاكل الآنية أمام تيار عزمه وهدفه الكبير. السلطان محمد الفاتح رفض العيش في دائرة التفاهة ومضيعة الوقت، وعلم بأن الهدف الكبير يقضي على المشكلات الصغيرة، وأن الغاية النبيلة تسحق الطموحات الصغيرة. فبقدر الطموح يهب الله القوة والقدرة، فإذا ما ارتضى المرء منا لنفسه أن يكون كبيراً فسيهب الله له عزيمة الأبطال، وقوة البواسل وستُسحق المصاعب التافهة من تلقاء نفسها تحت قدم همتك العالية. [email protected]