أزمة الحديد المصطنعة .. سماسرة تلعب ومسؤولية تغيب المتتبع لأزمات شح الحديد وارتفاع أسعاره، يلاحظ أن الأزمة الحالية ليست المرة الأولى التي تشهد فيها السوق المحلية هذا الارتفاع المفاجئ والانقطاع لهذه المادة الحيوية التي تؤثر على بناء المنشآت وقطاعات العقار بالدرجة الأولى. ويُلاحَظ أيضا، أن ثمة جهات \"بعينها\" تحاول في كل مرة جس نبض السوق واختبار المستهلكين، من خلال احتكار هذه المادة الحيوية للبناء ورفع أسعارها، \"علّ الجميع يرضخون لرغبات تلك الجهة وتسير الرياح بما لا يشتهي الآخرون\"، على حد تفكير تلك الجهات طبعا. لم أكن أريد أن أحمل أحدا مسؤولية أزمة شح الحديد وارتفاع أسعاره، لكن بكل تأكيد فإن تلك الجهات \"بعينها\"، هي التي تعبث بالسوق وعلى الآخرين أن يتحملوا تلك العبثية، دون أن يفكروا أنها \"أي العبثية\" تؤثر سلبا على الكثير من المشاريع الوطنية الحيوية والتي ستتوقف \"بالقوة\" إلى حين تتدخل جهات أكثر قوة من تلك التي تحاول استغلال السوق وفرض شروطها عليه. وإذا ما نظرنا جيدا للسوق المحلية فإنه توجد لدينا أربع شركات حديد تترأس المشهد الحديدي فيه وهي (سابك، الراجحي، الاتفاق، واليمامة)، وجميعها شركات قوية \"بلا حسد\"، إذ لم نسمع عن انهيارات حدثت لديها سواء من حيث الانتاج أو التسويق أو غيرها من المشاكل التي تقود بحسب خبراء الاقتصاد إلى غلاء الأسعار أو انقطاع المادة التي تنتجها (الحديد)، من الأسواق، فضلا عن أننا لم نسمع عن توجهات من الحكومة أو وزارة التجارة والصناعة لفرض أسعار جديدة على الحديد. والسؤال الذي يفرضه الحال هو ما سر أزمة الحديد التي تطالعنا في كل مرة، وما سر هذه العشوائية التي تتحكم في السوق المحلية، ثم أين الضوابط لمثل هذه الحالات خصوصا وأنه يرتبط بمواد البناء وأهمها الحديد الكثير من المشاريع الوطنية والحيوية التي ستتعثر على الأقل إن لم نقل أنها ستتوقف بشكل نهائي. هذا فضلا عن مضاعفة الأزمة الموجودة أصلا لدى المواطن الذي يفني حياته كلها في سبيل الحصول على منزل، دون أن يتمكن الكثيرين من تحقيق هذا المشروع، فإذا كان بإمكانه سابقا أن يمارس حلم الحصول على منزل يقيه وأسرته متاعب الأيام، إلا أنه حاليا لن يتمكن حتى من الحلم. المشكلة الأكبر أنه في مثل هذه الأزمات تحديدا، يوجه الجميع أصابع الاتهام إلى الجميع، فالموزع يرجع الأزمة إلى المُصنّعين، وهؤلاء يعيدونها إلى الوزارة والوزارة تلمح إلى الأزمة العالمية والأسواق في الخارج،وهكذا ندخل في سلسلة من الاتهامات التي لا طائل منها، فعلى أرض الواقع توجد أزمة، وأحدا من هؤلاء لم يتحدث عن حلها، خصوصا وأنه لا مبرر حقيقي لارتفاع أسعار الحديد. وقد تتحمل شركة \"سابك\" باعتبارها الأقوى، جزءا كبيرا من المسؤولية عندما بدأت الأزمة برفع سعر طن الحديد ومن جميع المستويات 100 ريال عما كان عليه قبل الأزمة، الأمر الذي دفع ببقية الشركات المصنعة إلى رفع الأسعار من جهتها، خصوصا وأن جودة منتج الحديد تكاد تكون متشابهة عند جميع الشركات. وما زاد الطين بلة هو استغلال سماسرة السوق لهذا الارتفاع، وقيامهم بتخزين كميات كبيرة من الحديد لبيعها بالسعر الذي تنتهي عنده الأزمة، إذ يلعب السماسرة في مثل هذه الأزمات دورا استراتيجيا لتصعيد الأزمة عبر تخزينهم كميات مهولة من الحديد، خصوصا في ظل ضياع المسؤولية، وتعمل على احتكار السلعة، تمهيدا للتحكم بسعرها وبيعها بالسعر الجديد، الذي سيصبح أمرا واقعا لا مفر منه. لكن أحدا من هؤلاء السماسرة لم يحسب حسابا لتأثير الأزمة في تعثر المشاريع القائمة التي ما تزال قيد الإنشاء، وبعضها مشاريع حكومية (مدارس، مستشفيات، إدارات ... )، كما لم يفكر أحد من صناع الأزمة في أن انعكاس الأزمة سلبا سيتجاوز التاجر والمقاول، وستمتد إلى الاقتصاد الوطني، نظرا لأهمية المشاريع التي يتم تنفيذها أو التي تعتزم الحكومة طرحها مستقبلا، إذ أن زيادة الأسعار ستؤثر بشكل خاص على المشاريع قيد الإنشاء والتي فتحت مظاريفها وحددت أسعارها، ما سيلحق خسارة بالشركات المنفذة بسبب اختلاف الأسعار، وبالتالي تأخر المشاريع. إن من أهم المشكلات التي تعترض مشاريع البناء والتشييد في المملكة هو تذبذب الأسعار في مواد البناء وتحديدا منها الحديد الذي يعتبر أس البناء في أي مشروع يطرح. ولذلك فالمطلوب من الشركات المصنعة للحديد (سابك والراجحي والاتفاق واليمامة) في المملكة، التي تعتبر من أهم وأكبر الأسواق على مستوى دول الخليج العربي إن لم نقل الشرق الأوسط، أن تواجه \"الأزمة المصطنعة\"، وأعتقد أنها تملك الكثير من الخيارات في ذلك لعل أهمها، زيادة حصة الإنتاج بما يفوت الفرصة على السماسرة من خططهم في التحكم بالأسعار والسوق. بسام أخضر