تسعة عشر بلا بصر تجربة أجدها جدا ممتعة, عشت لحظات يومية مع فئة مبدعة وغريبة في الاطباع والتعامل, تعلمت طريقتها والتي احتوت كل الحروف, متكونة من خلية ذات عامودين ولا تخرج عن ستة أرقام, ... اعلم انك لم تستوعب ما تقرأ ..... فيا عجبي . بدأت اكتب على الآلة الخاصة بها, وأيضا اقرأ بإحدى حواسي ما اكتبه وما يكتبه لي المدرب, فلن اصل إلى درجةٍ تَفوقُ الخيال في السرعة والبديهة كمن اُجبِرَ عليها, ولكن أستطيع أن أتعايش مع تلك الفئة الجميلة. (19) يوماً حافلاً بالجديد والتجديد في حياتي, لم اشعر برهبة الدورات التدريبية, ولا ببروتوكولات رسمية كما اعتدناها بها, فكل يوم أتشوق لمعرفة سرٍ جديد بات هاجسي منذ زمن. دورة مجانية أعلنت عنها جمعية المكفوفين الخيرية بمنطقة الرياض (كفيف), والتي كانت بدعم من جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان - رحمه الله. هذه الدورة لم تقتصر على فئةٍ عمرية معينة, ولعل اللافت للنظر من بين المشاركين العم أبو سليمان الذي عاد إلى تعليم طريقة برايل بعد انقطاع دام أكثر من نصف قرن, حيث انه يعد من أوائل من تعلم هذه الطريقة في المملكة منذ السبعينات الهجرية. طريقة برايل تعدت كونها كتابة على ورق فحسب أو رموز لا يقرأها إلا المكفوف, بل استفاد من قراءتها المبصر, ولكن بطريقة تكنولوجية عصرية, فقد حققت طريقة برايل تطورا هائلاً من خلال خوضها تقنيات الحاسب الآلي والانترنت, إما عن إضافة بعض البرامج الصوتية أو جهازٍ حاسوبي متخصص, فأصبح بإمكان الكفيف الاندماج والخروج عن العزلة ومشاركة الآخرين, بالإضافة إلى التحدث معهم, حتى انك لا تعلم حينها عن محدثك اهو مبصر أم كفيف. وكما هو الحال مع الهاتف المتنقل فقد استخدمه الكفيف بمساعدة برامج صوتية ليتمكن من التواصل مع الأصدقاء وسماع الرسائل الواردة وكتابتها, ومعرفة اسم المتصل. فقد أكد الباحثون الأكاديميون أن التعليم المبكر للبرايل يرتبط بقوة النجاح الأكاديمي والمهني في حياة المكفوفين فيما بعد, ولعل هذه القاعدة استثنت العم أبو فايز الذي لازال في العقد السادس من عمره, وأيضا حديث فاقد البصر, فهاهو اليوم أصبح يكتب ويقرا ويستخدم الانترنت بعد اجتياز هذه الدورة. من البديهي أن أتخرج من الدورة بشهادة تدريبية, ولكن حينما التَفُ بتلك الفئة فأنا اخرُجُ بتعلم الكثير : تعلمت حقيقة الرضا, وذقت طعم الخيرة فيما اختاره الله. تعلمت أن مع العزيمة تأتي الإرادة, ومع الإصرار تأتي النتيجة. تعلمت انه لا عزلة بعد اليوم عن المجتمع, والتواصل مع الجميع أصبح أسهل . تعلمت أن احترم بصري, كما حَرَمتُهُ \"تسعة عشر يوما بلا بصر\". محمد العمر [email protected] مدونة محمد العمر http://www.mohamed-alomar.com