للمجالس الثقافية والأدبية متعة روحية عظيمة فهي تغسل ما في الجسد من الارهاق والتعب وتزيل عنه المعاناة والقلق وتنقل الإنسان إلى عالم افتراضي من السمو الروحي والمتعة العقلية والانطلاقة الحيوية ولا فرق عندي بين جولة على القدمين في حديقة حالمة غناء وبين جلسة أدبية شعرية بعيدة عن واقع الحياة وهمومها ومشاغلها. وفي أغلب مدن المملكة نوادي أدبية لها برامج ومحاضرات كما ان هناك صوالين أدبية متعددة نتابع أخبارها بالصحف المحلية والزوايا الثقافية ولكن الناتج الأدبي لبعضها يقتصر على الأمسية نفسها مع ضعفه احياناً كما يركز بعضها جهوده على فعاليات لا ترقى لمستوى الابداع في الثقافة والأدب. وأنا من محبي الأنشطة الأدبية بل ولقد ألقيت محاضرة قبل سنوات بنادي جدة الأدبي اعقبتها وليمة فاخرة على حساب النادي وقد قدم لي سكرتير النادي في نهاية الأمسية ظرفاً به ألفان من الريالات ظننته رشوة فرفضت تسلمه لكنني عرفت انها مكافأة معتادة لكل من القى محاضرة بالنادي فقبلتها شاكراً رغم اعتقادي ان هذه المصاريف يمكن ان تستخدم بطريقة أفضل لتشجيع الأدب والأدباء. ولازلت احضر احيانًا بعض أنشطة النادي الأدبي وأجلس صامتاً بالمؤخرة استمع إلى المحاورات الثقافية وفي زاوية بعيدة من مكان جلوس الوجهاء ومسؤولي النادي واطلق العنان لخيالي وتفكيرى فأجد ان متاعبي تتبخر تدريجياً حيث انني لا أبذل في هذه الحالة أي مجهود فكري أو عضلي. أما الصوالين الثقافية الخاصة فلم احضر إلا أمسية تكريم الروائي عبده خال باثنينية الخوجة ورغم فخامة المكان وبهرجته وشهرته الا انني لم أجد ما كنت أتمناه من متع أدبية ومناقشات ثقافية لأن الأمسية كانت اشبه بمؤتمر صحفي غير ان كرم صاحب المكان ووليمته الدسمة عوضت النقص الأدبي والضعف الثقافي في تلك الليلة. وقد تذكرت وأنا في تلك الاثنينية الجلسة الأسبوعية الربوعية التي كان يعقدها والدي يرحمه الله مع أصدقائه القدامي وكلهم أدباء وشعراء وظرفاء وأصحاب خبرة كبيرة في الحياة والناس وقد استمرت هذه الربوعية لاكثر من ثلاثين سنة ثم توقفت بعد ان انتقل كل أعضائها الأساسيين عن الحياة الدنيا. وقد تتلمذت شخصيًا على هذه الجلسة الربوعية والتي تبدأ فعالياتها قبل صلاة المغرب بساعة من الزمن وتنتهي بعد صلاة العشاء وكان فيها ثروة من المعلومات الأدبية والتاريخية والحياتية لكنها للأسف لم تسجل كلها ولم يكن يقدم فيها للجالسين غير الشاهي وبعض المكسرات وفي بعض الاحيان القليل من الحلويات. وحيث ان معظم أعضاء هذه الربوعية كانوا من كبار السن فان لهم احياناً بعض الخصوصيات التي تقع تحت باب عودة الشيخ إلى صباه والتي لم نكن بالطبع من حضورها. ومع اسفي لعدم تسجيل فوائد هذه الربوعيات الا انني سجلت مذكرات والدي وتجاربه ورحلاته في كتاب مطبوع نفدت جميع نسخه.