كلما غابت شمس وحل قمر مضى يوم من عمرنا في دنيا فانية محملاً بمواقف نختزنها بالذاكرة لنرويها لأجيالنا حينما تدق ساعة الذكرى بموقف مؤلم يعتصر الفؤاد أو آخر مفرحاً في محتوياته مبكياً في نهايته فتبتسم الشفاة لكن الأعين سرعان ما تدمع لفراق من صنع الموقف وحوله لذكرى تترسخ بالذهن وان غابت الأجساد فان الأسماء ستظل باقية لتسطع بمواقف أولئك الذين صنعوا الذكرى. وفي أواخر الأسبوع الماضي حملت الأنباء أخباراً كانت بالنسبة لي جيدة وسعيدة فحمدت ربي الذي أبقاني لأسمعها وأراها واقعاً ملموساً وفي المقابل جاءت أنباء مؤلمة لفراق أعزاء كانوا بيننا يفرحون ويحزنون فتذكرتهم وتذكرت معهم كل موقف مضى لأجد أن عيوني أدمعت لفراقهم عن كل قريب وصديق. وكان ممن رحلوا بأجسادهم وبقيت أسمائهم محفورة بالذاكرة المطوفين العزيزين القديرين مراد عبده مراد أحد مطوفي حجاج الدول العربية والمطوف أحمد سليمان ناضرة من كبار مطوفي حجاج تركيا رحمهما الله فتذكرت حينها بعضاً من مواقفهما التي يجهلها البعض عنهما. وإن كان المطوف مراد عبده مراد رحمه الله أول من تذكرته لأن وفاته جاءت قبل وفاة أخينا الحبيب أحمد ناضرة رحمه الله فالمطوف مراد عبده مراد رحمه الله رغم أنه من مطوفي حجاج الدول العربية إلا أنه كان من أوائل الداعمين والمؤازرين لمؤسسة مطوفي حجاج تركيا ومسلمي أوروبا وأمريكا واستراليا في بداية نشأتها يوم سخر مطبعته لتغطية احتياجات مؤسسة حجاج تركيا من المطبوعات وقال يومها للأستاذ / حسن سعيد مفتي عضو مجلس إدارة المؤسسة آنذاك (إن نجاحكم هو نجاح لجميع المطوفين) وهو رائد فكرة شعار المؤسسة الذي استمر على مطبوعاتها على مدى ربع قرن مضت. أما أخينا المطوف / أحمد سليمان ناضرة رحمه الله فقد كانت له الكثير من العديد من المواقف مع من حوله وامتاز بطابعه الطيب ونقاء قلبه وصراحة لسانه التي أزعجت البعض من المتسلقين. وان كانت صراحته ميزة تميز بها فان قناعته برزقه كانت خصلة تميز بها أيضا فلم يسع رحمه الله لاستغلال نفوذه بإجادته التامة للغة التركية ليكون أحد القياديين بالمؤسسة بل حرص على أن يخدم ضيوف الرحمن بمشعر عرفات كمدير تنفيذي تاركاً بيته وأهله فترة طويلة ليوفر للحجيج مخيماتهم يوم الوقفة الكبرى فجاءت وفاته بعد أدائه الطواف وخروجه من المسجد الحرام لتكون خاتمته خير خاتمة. وبوفاة المطوفين العزيزين مراد عبده مراد وأحمد سليمان ناضرة رحمهما الله سقطت ورقتان مثمرتان من أوراق المطوفين الذين أرجو من مسؤولي مؤسسات الطوافة العمل على تدوين سيرهم حفظ تاريخهم ففي مواقفهم كنوز من الماضي ودروس وعبر لأجيالنا الحاضرة القادمة. فليرحم الله من ودعونا ويسكنهم في فسيح جناته.