تواصل الإنسان مع أخيه الإنسان منذ بدء الخليقة واستخدم الرموز والرسومات والأشكال التي رسمها على كهوفه وجدران معابده لإيصال رسائله للآخرين. وتطورت تلك الرموز عبر القرون إلى لغات استخدمها الإنسان في محادثاته وكتاباته ليعبر بها عن رغباته وأفكاره وآرائه ومشاعره. والكلمة المنطوقة والمكتوبة ليست الأسلوب الوحيد الذي يستخدمه الإنسان للتواصل مع أخيه الإنسان. بل أنها في الحقيقة لا تمثل سوى 30% من أسلوبه التواصلي ، حيث يستخدم تعبيرات وجهه وحركات جسمه وإيماءاته للتعبير عن رفضه أو قبوله لما يتلقاه من رسائل من الآخرين وهي تمثل 70% من التواصل الإنساني. ومن هنا تبرز أهمية عملية الاتصال كعملية إنسانية وضرورة اجتماعية يحقق بها الفرد من خلالها أهدافه ويشبع حاجاته ورغباته في تفاعلات دينامكية مع الآخرين لبناء المجتمع. وبالرغم من تطور وسائل الاتصال التقنية الحديثة التي ساهمت في إحداث ثورة اتصالية بين الأفراد والمجتمعات ، نجد أن هناك تراجعاً ونكوصاً قيمياً وأخلاقياً في العلاقات الإنسانية بالآخرين المحيطين بنا. فقد شوهت المدنية الحديثة الكثير من قيمنا وأخلاقنا الإسلامية وانتاب علاقاتنا الإنسانية الكثير من الوهن والضعف ، بل قد تطور بعضها إلى حدوث صراعات ونزاعات ليس فقط في المحيط الأسري والاجتماعي بل أيضاً في محيط العمل. وتنشأ الصراعات عادة بين الأفراد نتيجة لوجود فجوة في الاتصال والتي تظهر بسبب اختلاف في الآراء والخبرات والخلفيات الثقافية والاجتماعية والحالة الاقتصادية للأفراد مما يولد الكراهية والبغضاء في النفوس وينتج عنها نزاعات وحروب نفسية واجتماعية لا تبقي ولا تذر. وإذا كانت النزاعات والصراعات تؤثر تأثيراً سلبياً على الإنتاجية في المؤسسات الاجتماعية كافة ، فإن النزاعات داخل المؤسسة التربوية هي الأسوأ على الإطلاق لأن المنتج النهائي هو الطالب. والتأثير السلبي لهذه العلاقات غير المتوازنة حتماً تؤثر على العملية التربوية والتعليمية. والاختلاف هو سنة الحياة فقد قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) (118-119 هود). ولكن أن يتطور إلى خلاف ونزاع فذلك مما يضر بمصالح الفرد والجماعة ويولد النزاعات. وقد يرجع الخلاف كذلك بسبب طغيان عنصر (الانا) على كافة متطلبات العمل وعدم العمل بروح الفريق الواحد. حيث التركيز فقط على الإنتاجية سواء التنافسية أو التخاذلية. فكثيرا ما يتم رفض العمل لأن فلاناً لديه مهام أقل ... ولماذا أسند إلي العمل ؟ أو لماذا أقوم أنا بأعمال أكثر من فلان الآخر؟ ..... وهكذا نبدأ بالنظر إلى أعمال الآخرين وبالمقارنة المقيتة بما نقدم وبما يقدمونه ، مع أن الأعمال والمهام قد وزعت بالتكافؤ كل حسب قدرته وطاقاته ولكن مع ذلك نظل نموت هماً بمراقبة الآخرين. بل كثيرا ما تحدث الخلافات لأننا ببساطة نسينا الكثير من قيمنا وأخلاقنا الإسلامية : فقد نسينا قيم التعاون ... التراحم والتكافل ... بل نسينا حتى قيم السلام وآدابه والتي من أهمها أن يسلم الماشي على القاعد والداخل على المكان على أهله .. بل وللأسف نسينا قول الله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا) (النساء 86). نسينا الابتسامة وأهمية طلاقة الوجه حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق). نسينا قيم العفو فامتلأت قلوبنا حقداً وبغضاء وكراهية فاعتلت أجسادنا وامتلأت عيادات الأطباء النفسية والجسدية .. وهيهات أن يتعافى الجسد والقلب عليل!! نسينا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي طلب منه أن يوصيه فقال له: (لا تغصب.. وكررها مراراً): فعمى الغضب بصائرنا لرؤية الحقائق. بل أننا لم نستطع أن نرتقي بأخلاقنا إلى مرتبة (الإحسان) في تعاملاتنا وهو خلق إسلامي يثبط العداوة وينصر المحسن على الظالم وجزاؤه جنة عرضها السماوات والأرض. كل ذلك.. وغيره كثير نسيناه في زحمة الماديات والمدنية الحديثة التي حولتنا إلى دمى متحركة. ولان أحد أهم مهام الإشراف التربوي هو خلق الانسجام بين العاملين في الميدان وإزالة أي عوائق اتصالية - وهي من أصعب المهام ويستنفذ الكثير من الوقت والجهد للعمل على تقريب وجهات النظر والقضاء على الاختلافات والنزاعات - كانت هذه المفاهيم هي جزء من حلقة تنشيطية قدمت لبعض المعلمات مما أدى إلى إنهاء الخلاف والعمل على فتح صفحة جديدة من حسن التعامل والإحساس بالمسئولية التربوية والتعليمية، مما كون قناعة راسخة بان العلاقات الإنسانية الطيبة تزيد من الكفاءة المهنية والسماح بظهور إبداعات تدريسية متنوعة كما تعمل على زيادة الثقة بالنفس وتقدير الذات. نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.