إن كنت من ملاك المخطوطات واتصلت بدارة الملك عبدالعزيز تشكو قلقك عليها أو مرضها أو تلاشي لمعة لون المكتوب فلا تستغرب أن تتلقى اتصالاً من مركز المخطوطات المحلية بالدارة ويكون من أسئلته الأولى : كيف حال مخطوطاتك ؟ وماذا عن لون المخطوطة الذي حدثتنا عنه قبل أشهر وشكوت ميله للبرود ؟ وهل وجدت حلاً آمناً لهذا الصيف الذي تكثر فيه الحرائق. وإن كنت لا تعلم أنك من ملاك المخطوطات فاعلم أن المخطوطة هي كل كتاب كتب بخط اليد أو رقم بالآلة ومضى عليه أكثر من خمسين عاماً . فمركز المخطوطات بدارة الملك عبدالعزيز يحتفظ بقائمة طويلة من أصحاب المخطوطات وملاكها يطمئن عليها ويزورهم ويعطيهم المشورة حول قضايا مستجدة تمس هذا المصدر التاريخي المهم. ويقوم المركز بدور وسيط علمي بين أصحاب المخطوطات ينقل تجاربهم وأفكارهم الجديدة حول المخطوطات من بعضهم لبعض، فيكون عوناً لأولئك الذين يعتقدون أن لا أحد يهتم بالمخطوطات ، إلاّ أن الهدف الرئيس للمركز الذي أنشيء عام 1423ه بعد فصله عن مركز الوثائق بالدارة هو جلب المخطوطات الأصلية أو صور منها إلى خزينة الدارة العلمية التي تعمل لأن تكون نقطة التقاطع المعروفة لدى كل الباحثين والمهتمين والهواة الذين تأخذهم القراءة في المخطوطات وتأمل خطوطها وعباراتها وما جاء فيها من لغة خصبة وتفحص هوامشها والتعليقات الواردة عليها إلى أبعد نقطة في سعادتهم. إلا أن مركز المخطوطات لا يقتصر عمله على جهود موظفيه وأجهزته الحاسوبية بل دعم ذلك بأن فتح مساراً للتعاون مع أصدقاء من مناطق المملكة العربية السعودية لهم درجة القلق نفسها على هذه الثروة العلمية التي لا تقدر بثمن ، حتى أنهم يمدون المركز بملاّك جدد للمخطوطات أو ظهور مخطوطات جديدة لم تكن معروفة من قبل لدى مكتبة أو شخص أو هي لم ينكشف أمرها إلا بعد وفاة صاحبها فيقوم المركز بدور الاتصال والاطمئنان ثم عرض خدمات الدارة الفنية من الترميم والتعقيم والتجليد، ولا يتحرج في عرض حفظها وتصنيفها فهذا دوره الذي قام عليه ووفق صراحة يضمنها له نظام دارة الملك عبدالعزيز التي هي معنية برصد وحفظ وصيانة المصادر التاريخية المخطوطة أو الصوتية أو المتحركة، وتتشرف الدارة بذلك الدور الوطني وتود عبر رسائل إعلامية وعلمية إلى دخول شركاء جدد لها في خدمة المخطوطات لكي تنتقل المخطوطة من العناية الفردية القاصرة والمحدودة إلى عناية المؤسسة الدورية المقتدرة ، ولتكون الدارة دائرة تجمع المخطوطات المحلية لتتكامل وتتسق فترتفع درجة خدمتها لحركة البحث العلمي بدل أن تعيش شتاتاً ما يقلل من مستوى خدمتها العلمية. وحقق مركز المخطوطات المحلية خلال الثماني سنين الماضية أرقاماً قياسية في جلب أصول المخطوطات وصل عددها إلى أكثر من ثلاثة آلاف مخطوطة حيث تم التركيز عليها بعد أن كانت مدمجة مع الوثائق ، وكان أكبر موردٍ لهذا المركز المتخصص هو مشروع مسح المصادر التاريخية الذي استمر خمس سنوات يجوب مناطق ومحافظات ومدن ومراكز المملكة العربية السعودية كوّن خلالها علاقات جيدة مع هواة جمع المخطوطات والباحثين المعنيين بعلم المخطوطات ووضع خريطة شبه متكاملة للمصادر التاريخية المخطوطة في المملكة ، لكن المركز لا يعتمد على منسوبيه ، فبالإضافة إلى أصدقائه في المملكة فإنه يعمل بصورة تكاملية مع باقي الأقسام في الدارة وذلك ما يفرضه واقع حال أي مؤسسة علمية تؤمن بأهدافها الكلية لا بالأهداف الجزئية لأقسامها ، وتسعى الإدارة العليا للدارة إلى تأكيد هذا التكامل استناداً على حقيقة أن المصادر التاريخية تتكامل ويساند بعضها بعضاً ، ويضاف إلى ذلك الرصيد المتزايد بفضل تحسن اتجاهات المجتمع تجاه المركز وخدماته للمخطوطات الموجودة ضمن عناوين المكتبات المهداة للدارة أو الموقوفة عليها والتي بلغ عددها أكثر من ستين مكتبة حتى الآن . ورسم المركز لكل مخطوطة تسلم إليه من أصحابها خطاً خدمياً يبدأ من فحصها في مركز الترميم والمواد التاريخية ومعالجة عيوبها إن وجدت بما يناسبها، إما بالتعقيم والتنظيف الجاف، أو في مرحلة متقدمة بالترميم والتجليد وبكل دقة تضمن إطالة عمرها الخدمي ، ثم تفحص المخطوطة وتصنف وتفهرس في منظومة المخطوطات ويحتفظ بها في مكان خاص يعرف بقاعة المخطوطات التي تتمتع بدرجة حرارة مناسبة وأجواء معقمة وإن هيأ لك الوقت فرصة زيارتها فإنك ستشعر داخلها بدهشة وإعجاب بما تفرضه الدارة على أجواء القاعة ، تلك المخطوطات التي لا زالت على قيد الحياة بالرغم من مرور مئات السنين، وبعد ترفيفها في القاعة يسجّل كرت مختصر فيه معلومات عن عنوانها ومؤلفها وناسخها وتاريخها ومكان نسخها ومالكها ، وفي الخطوة التالية تصور إلكترونياً ثم تجري عليها الأرشفة الإلكترونية لإتاحتها لزوار موقع الدارة على الشبكة العنكبوتية ، والتي بلغ فيها المركز أكثر من ألفي مخطوطة مؤرشفة حتى الآن ، وتصوير أكثر من ألف وخمسمائة مخطوطة على ميكروفيلم. ويحق لأي مواطن يثبت أنه ينفذ بحثاً علمياً أو يقدم درساً تاريخياً أو يبحث عن معلومة وطنية أو أسرية أو يكتب مقالة علمية أن يطلع على تلك المخطوطات ويستقي منها ما يلبي حاجته وفق نموذج خاص يرصد عدد مطلعي كل مخطوطة وسبب الاطلاع وفق ما يتطلبه نظام الإحصاء العلمي في دارة الملك عبدالعزيز لقياس خدمات الدارة على مدى العام الواحد. لكن العلامة الفارقة في خط سير المخطوطات حتى وصولها إلى المركز هو استقبال صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة الدارة لأصحابها والاهتمام والشكر لكل من يبادر أو يوافق على إيداع المصادر التاريخية ذات العلاقة بالتاريخ الوطني ومنها المخطوطات حيث يستقبل سموه أصحاب المخطوطات أو المودعين لمصادر تاريخية مختلفة يكون بينها مخطوطات ويقدم لهم التقدير ويؤكد أن مبادرتهم محل عرفان دارة الملك عبدالعزيز ، وهذه بادرة كريمة من سموه حفظه الله تترجم مدى عشقه للتاريخ والمحافظة على مصادره النقية والأصلية ، وسعيه لأن تتبوأ الدارة المكانة التي تليق بها فهي تحمل اسم المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله عرفاناً وتقديراً لدوره التاريخي في تأسيس المملكة العربية السعودية، ويوجه سموه دائماً بأن يكون اسم المودع موجوداً على معلومات المخطوطة أو المخطوطات المودعة وأن له الحق في الاطلاع عليها متى ما رغب . ومعرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط الذي تنظمه دارة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع شركة أرامكو السعودية الذي يفتتح اليوم يعد باكورة عمل مركز المخطوطات المحلية الذي قام بالتنسيق بين المشاركين ودعوتهم ووضع قائمة المخطوطات المشاركة حيث استغرق هذا العمل عاماً كاملاً لاختيار الوقت المناسب للمشاركين وتحقيق درجة النجاح المرجوة ليصبح أكبر معرض من نوعه يقام في المملكة العربية السعودية وليكون منعطفاً مهماً في تاريخ مركز المخطوطات المحلية حيث يبلغ عدد المشاركين فيه أكثر من ستين جهة وفرد منها دارة الملك عبدالعزيز نفسها وشركة أرامكو السعودية الراعي الحصري للمعرض. وما إن يذكر اسم الشيخ والمؤرخ والنسابة إبراهيم بن صالح بن عيسى ( 1270 1343ه ) أمام مؤرخ أو باحث في التاريخ والأنساب حتى يقترن اسمه بعبارة : إنتاج علمي متفوق لكنه متفرق، لكن دارة الملك عبدالعزيز وفي إنجاز غير مسبوق حصلت بجهد يقارب خمس سنوات من التتبع والمسح على ما يعتقد أنه كل مخطوطات هذا المؤرخ والنسابة الكبير في عصره الذي قال عنه علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله :( يعتبر الشيخ ابن عيسى المؤرخ الثاني لنجد بعد ابن بشر، فبتأريخهما يصبح تاريخ هذه البلاد متصل الحلقات ) وقال عنه الشيخ سليمان بن صالح البسام: ( له في كل علم باع طويل ). وأضافت الدارة مخطوطات ابن عيسى الخمسة والخمسين منها ثمان وعشرون مخطوطة من تأليفه إلى خزانتها التاريخية وتعرض منها نماذج لزوار معرض تراث المملكة العربية السعودية المخطوط في إضاءة لجهود هذا العالم الفذ الذي كان بالإضافة إلى جهده في التأليف يملك مكتبة كبيرة تضم نوادر المخطوطات ، وبقية المخطوطات توزعت بين نسخه وتعليقه ووقفه وتملكه وتهميشه لها رحمه الله . إنجاز علمي تضيفه الدارة إلى إنجازات عدة تكشف عنه للمرة الأولى في المعرض ، فبعد ما يقارب تسعين سنة من التشرد والتفرق بين المكتبات والتملكات الخاصة عاشتها مخطوطات هذا المؤرخ العلامة فقد بعث ابن عيسى بكثير منها إلى تلميذه الشيخ عبدالله الدحيان في الكويت في حين أن باقي المخطوطات والوثائق والمدونات بيعت في سوق عنيزة بعد وفاته فيها حيث انتقل إليها من مسقط رأسه أشيقر ، لكن دارة الملك عبدالعزيز استطاعت أن تضمها إلى بعض محققةً باقة من الإرث العلمي لمؤرخ ونسابة ومثقف يشار إليه بالبنان ، فالملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الفيصل رحمه الله أشار إلى ابن عيسى بعد وفاة المؤرخ المعروف عثمان بن بشر بأن يكمل كتابة تاريخ البلاد من حيث انتهت كتابة ابن بشر فبدأ من أحداث سنة 1268ه وطبع منه حتى الآن إلى سنة 1302ه في مؤلفه الشهير ( عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في آخر القرن الثالث عشر وأول الرابع عشر ) لكن بقية منه ما زالت مخطوطة ، وهذا ما يدل على المكانة العلمية لابن عيسى وحساسية قلمه تجاه الأخبار والأحداث وثقة الدولة في قدرته على تتبع الأحداث والتوثق منها . دارة الملك عبدالعزيز بعد أن وضعت نماذج من مخطوطات ابن عيسى أمام زوار المعرض في المرحلة الأولى ، تخطط في المرحلة الثانية لإصدار موسوعة علمية عن المؤرخ إبراهيم بن عيسى تشمل ترجمة موسعة عن حياته ونشأته ورحلاته وأعماله وببلوغرافيا شاملة لكل ما ألفه أو نسخه أو علق عليه من مخطوط أو مطبوع والتعليق على المعلومات التاريخية التي أوردها من أحداث تاريخية وأنساب ومدن وتراجم وشعر وفوائد ومراسلات تعليقاً علمياً موثقاً في بادرة من الدارة لتقديم ما لديها من مخطوطات لحركة البحث العلمي وتقديم أنموذج لدعم الباحثين والمهتمين بصفة عامة والمتتبعين لمؤلفات ابن عيسى وأعماله بصفة خاصة ، بعد أن أصدرت في وقت سابق كتاب ( قراءة في بعض المذكرات والرسائل الشخصية للشيخ المؤرخ والنسابة إبراهيم بن عيسى ) للدكتور أحمد بن عبدالعزيز البسام ضمن إصداراتها العلمية المتعددة .