العنوان قد يبدو غريبا، ولكن صدقني عزيزي القارىء ظاهرة التسول في مجملها تعتبر صحية، وخاصة اذا اخذنا الجانب الايجابي منها دون الوجه الاحترافي، فلا احد يجهل ان دواعي التسول كثيرة منها الحاجة لغياب او قلة الدخل، كذلك الطوارىء التي تحدث نتيجة تعرض احد افراد الاسرة، او القائم عليها لعلل الزمان كالديون والخسارة التجارية الفادحة والامراض الخطرة، التي تأكل الرطب واليابس، وبالطبع هناك وسائل تسول تكتسي ملابس متنوعة وتتبع اساليب ملونة وتقف على أبواب المسؤولين والاغنياء وتخاطبهم بالشعر والنثر، حتى تحقق غايتها. فاذا احتاج المرء للمساعدة نتيجة حاجته الفعلية، او نتيجة ظروف قاسية المت به اليس من الاولى ان يعلن عن نفسه ويرفع صوته؟ حتى يهب المجتمع ممثلاً بمؤسساته الحكومية والاهلية لمساعدته ونجدته، وفحص عريضته وشكواه، وتقديم المساندة الممكنة وهذا خير من دفعه الى حل مشكلته عبر منافذ الجريمة والحرام. ولا احد يجهل بأن الجهود القائمة لمعالجة ظاهرة التسول دون وجود حلول علمية، تعتبر عقيمة اذ ان الجهات المختصة لا تستطيع في ظل واقعها الحالي ان تقوم على معالجة هذه الظاهرة في مستوى وجودها وحجمها، بطريقة تكفل تشغيل المتسول او توفير احتياجاته الاساسية بالدرجة المأمولة. اما حول انتشار ظاهرة التسول، رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الجهات الحكومية لمعالجتها بدواعيها واسبابها ونتائجها، ورغم تضافر الجهود للقبض على المتسولين، ومعالجة وضعهم حسب الضوابط المتاحة، فإن التسول يزداد مع مرور السنين، وهذا أمر طبيعي وينطبق على الوضع الصحي مثلاً، فعلى الرغم من كثرة المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والاهلية، فان المرضى في ازدياد مطرد. وهذا يقوض اعتقاد بعض المواطنين بأن مكاتب مكافحة التسول (المتابعة) وكذلك الجهاد المعنية الاخرى سوف تقضي على المتسولين بشكل نهائي، ولا يجب ان يغيب عن بال المسؤول والمواطن ان هذه الظاهرة تنشأ لاعتبارات عديدة، تتجدد يوميا حسب المناخ الأخلاقي والاقتصادي، والامر اشبه ما يكون بالامراض المتجددة التي تفرزها تقلبات الظروف والأحوال المادية، فتفرض وجودها يوميا، ولذلك نرى كما اسلفنا ان المستشفيات والمراكز الطبية تزداد لأسباب تتعلق بازدياد حجم السكان وارتفاع وتيرة المنافسة المفتوحة بين القطاعين الحكومي والخاص، بينما تتولى الحكومة تقريبا معالجة ظاهرة التسول بمفردها، وقد استطاعت الجهود المبذولة الحد من ظاهرة التسول وحصرها في زوايا، دون ان تستطيع ان تفند دواعيها واسبابها، لغياب العنصر الاساسي المتعلق بتوفير فرص عمل للمتسولين من الجنسين، حسب مقتضيات الحاجة والمعالجة، والمثل الشائع بمعناه يقول : لا تمنح المحتاج سمكا بل علمه كيف يصطاده. ولذلك يرشد هذا الواقع الى أهمية فتح مجالات عمل تتناسب مع قدرات المتسولين وامكاناتهم، حتى يحصلوا على دخل ثابت مناسب، وهذا اجدى من المساعدات التي لا تغطي الا النزر اليسير من الحاجات. واقترح بهذا الخصوص ان يتم العمل على انشاء شركات مشتركة بين القطاعين الحكومي والأهلي على غرار شركة النقل الجماعي تتولى صيانة الاجهزة والمعدات وصيانة الطرق وغيرها، وكذلك استحداث شركات اخرى تتولى مهمة خياطة الملابس للنساء وشركات اخرى تعمل على تنظيف المدارس النسائية الحكومية، ويعمل فيها العنصر النسائي، بعد التأهيل لمثل هذه الأعمال، أو تلزم شركات الصيانة المرتبطة بعقود حكومية طويلة لصيانة الطرق والمطارات، وكذلك وكالات السيارات وغيرها بتوظيف هذه الايدي العاملة بعد تدريبها، لانه ليس مقبولا في كل المعايير الا يتوفر للمواطن عمل في بلد جاذب ومحتاج للعمالة الخارجية ولديه دخول مالية كبيرة. فاذا ما تم تأهيل الفرد وتوفير عمل له نكون في هذه الحالة قد انجزنا العمل وقضينا على نسبة كبيرة من المتسولين، وعالجنا القضية بطريقة تتلاءم مع مناخ تواجدها، ثم استطعنا ان ندخر بقية الجهد لمعالجة الشريحة الممتهنة للتسول بطريقة حازمة، تكفل حصرها في زوايا بعيدة عن العيان. وظاهرة التسول ظاهرة عالمية يزداد انتشارها ونراها في عواصم الدول الكبرى، وكأنها ستبقى ملازمة للحياة والمجتمع، وتتجذر أكثر لاننا نركز على جانبها الاحترافي فقط دون تشخيص دواعي التسول بشكل عام، وفحص دوافعه بشكل علمي، ثم العمل على سد المنافذ، التي تقود اليه عبر الاشباع بواسطة توفير عمل او دخل للمتسول يلبي احتياجاته عوضا عن التشخيص الخاطىء او الجهود الضائعة المبعثرة، التي لا تحقق نتيجة مناسبة وتعمل وفق مبدأ: مكانك سر أو تركب مطية القائل : اسمع جعجعة ولا ارى طحينا، فهل يوجد بيننا من يعشق الاخلاص فنعينه وزيرا للتسول فيوصل الحقيقة الى أهله من الوزراء، فيخلصنا من التسول لأن مجاله واسع، فمهما قلنا عن التسول بأنه ظاهرة صحية فالمقصد وضوح المشكلة وفحصها دون الهروب منها.