لم يكن الأستاذ / محمد حسن فقي رحمه الله مجرد شاعر يصيغ كلماته عبر أبيات تتوالى لتخرج قصيدة يحفظها بديوان أو ينشرها بصحيفة أو مجلة. لكنه كان شاعرا يصيغ من وجدانه الكلمات فيجعلها حلوة المذاق رطبة على اللسان متناغمة مع الزمان والمكان. وفي قوله : بعد الثمانين خبت جذوتي وآدني السقم وطاب الرحيل! بعد الثمانين أبت صبوتي إلا انحساراً عن جبيني الاثيل! تصوير لشبابه الذي ذهب وانتظار لأجله القادم بعد أن أعياه المرض وأقعده عن حيوية الشباب وعنفوان الرجولة. والأستاذ / محمد حسن فقي رحمه الله ولد في السابع عشر من شهر جمادى الثانية عام 1332ه بمكةالمكرمة ولُقب بشاعر مكة وفيلسوف الحجاز وشاعر القافية. وتظهر فلسفته الشعرية في قوله : أنا وحدي في اعتزالي ذائق لذة الروح ابتعاداً واحتواء وقبل أن يصور حاله في الكبر ويتحدث عن فلسفته أنشد عن يتمه الذي عاشه منذ أن كان رضيعا إذ يقول : كليل عشت بلا حب ولا أمل كالقفر عاش بلا ماء ولا شجر!! أنا اليتيم!! وما تحصى عشيرته لكنني بينهم عود بلا وتر وهنا إشارة إلى فقده للأم وحنانها إذ توفيت والدته وهو لم يتجاوز السبعة أشهر وفي السادسة عشر من عمره توفي والده لينشأ يتيم الأبوين ويبدأ بذلك مرحلة جديدة من حياته تجمع بين طلب العلم وطلب الرزق بعد أن أصبح مسؤولا عن عائلة مكونة من أخواته البنات. بدأ الأستاذ / محمد حسن فقي رحمه الله حياته التعليمة طالبا متنقلا بين مكةالمكرمةوجدة بمدارس الفلاح التي أنهى الدراسة بها وشق طريقه للعمل بها أستاذًا للأدب العربي بها. وعين رئيسا لتحرير جريدة «صوت الحجاز» ثم انتقل بعد ذلك للعمل بوزارة المالية والاقتصاد الوطني متنقلًا في عدد من وظائفها إلى أن عين مديرًا عامًا بها وفي عام 1955 م عينه الملك فيصل رحمه الله سفيراً للمملكة لدى اندونيسيا وحضر مع الملك فيصل رحمه الله المؤتمر الإسلامي في باندونغ عام 1955م ولم يدم بمنصبه طويلا إذ طلب منه العودة إلى المملكة وتحققت أمنيته في عام 1957م. ولدى عودته للمملكة كلفه الملك فيصل رحمه الله بتأسيس ديوان المراقبة العامة وظل في الديوان حتى استقال لأسباب صحية. وتولى رئاسة مجلس إدارة البنك الزراعي وهو أول مدير عام لمؤسسة البلاد الصحافية. وعمل مستشارا ل«المجلة العربية» بقرار من الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ رحمه الله وزير التعليم العالي آنذاك ويعد الأستاذ / محمد حسن فقي رحمه الله امتداد للشاعر حمزة شحاتة وشبهه البعض بالشاعر العربي أبو العلاء المعرّي. وقد تأثر الفقي رحمه الله بأعمال الرعيل الأول في الحجاز وبأعمال طه حسين وعباس العقاد والمازني وأحمد أمين وشعراء المهجر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبوماضي. وبدأ رحلته مع الأدب والشعر في سن مبكرة فكان أول ديوان ألفه هو «قدر ورجل» ونظم الرباعيات وكتب «نظرات وأفكار في المجتمع والحياة» و«هذه هي مصر»، و«الفلك يدور»، و«ترجمة حياة»، و«مذكرات رمضانية»، و«فيلسوف». وله مجموعة شعرية كاملة صدرت في 7 أجزاء كما كتب العديد من المقالات والدراسات الأدبية بالصحف والمجلات المحلية والعربية. حصل على جائزة الدولة التقديرية وحظيت أعماله باهتمام واسع ودخلت كرسائل علمية بالجامعات السعودية إذ حصلت الطالبة حنان بنت غالب المطيري المعيدة في كلية العلوم والآداب في الرس التابعة لجامعة القصيم على درجة الماجستير من قسم الأدب في كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عن بحثها «رباعيات الشاعر محمد حسن فقي» وتطرقت الباحثة في أطروحتها لرباعيات الفقي خلال الفترة من 1332 إلى 1425ه من حيث المضمون والشكل. وأطلقت مؤسسة أحمد زكي يماني الثقافية الخيرية بمصر جائزة أدبية عربية عام 1994م عرفت باسم جائزة محمد حسن فقي للشعر والنقد الأدبي وعقدت الدورة العاشرة للجائزة العام الحالي خلال الفترة من 28- 29 صفر 1431ه في القاهرة بفندق سمير اميس انتركونتننتال تحت عنوان «المدينةالمنورة في الشعر العربي» وضمت أربع جلسات خلافا للجلسة الافتتاحية والأمسية الشعرية والحفل الختامي وقدمت خلال الدورة عشرة بحوث ثلاثة من المملكة وخمسة من مصر وواحد من سوريا وواحد من الأردن توفي الأستاذ / محمد حسن فقي رحمه الله يوم الأحد الثامن عشر من شهر شعبان عام 1425ه مكةالمكرمة ودفن في مقابر المعلاة في مكةالمكرمة عن عمر ينهاز الثالثة والتسعين.