اعتقلته الذكريات وسرحت به إلى عاصفة حاولت أن تسرق منه الدهشة لكي يتحول الحلم إلى بقايا أوراق مبعثرة حاول أن يتريث ولكن إلى متى ؟ والسفينة قادمة بقبطانها ولا ميناء يحتضنها تلك كانت عاطفته الجياشة فقد ضجر من ذلك الضياء الممتد بخجل فوق هام السحب فأراد أن يراه كما هو دون وسيط بل سرح به خياله إلى أن يراه في الشق الآخر من مضرب الكره احتدم مع نفسه في تساؤلات عنيفة قبل أن يرتب جلده بأظافره الرقيقة ويجمع حقيبة وجهه بتجاعيده الأنيقة . وبينما هو كذلك في جوفها دون لحاف يهدهده من أرض أو سماء غفا مع حلمه علّة يجد له متنفساً للصعداء فقد كانت جدارية الذكريات المتوردة برائحتها العبقة وبشوكها تشده نحو انتعاشة الشباب وولع الصبا الذي ولّى ومن العسير أن يعود . مداخل كثيرة لازقة تفكيره تجوب دفئه النائم وتتلمس بخوف برودة أطرافه . أستعدل في جلسته وناظر برغم الظلام الذي كان يتسيده ذلك الضياء الذي ضجر منه وهو على اليابسة فرآه ضاحكاً مبتسماً كزهرة صفراء برتقالية امتدت بزرافة وهي تحاول أن تنام بعشق على صدر أعين الشمس ورأى على المدى البعيد اغفاءة ذلك الشفق الأرجواني الهارب من العيون الدامعة والقلوب الحزينة . كانت في تلك اللحظة النجوم تبحث في غيبوبة وجهه بحذر وربما بخوف من انعتاق القمر وانفلاق الفجر .. فأي ضياء ربما يبحث عنه فنقطة انطلاقه لم تدغدغ مشاعر شظاياه المائية البريئة وهو الآن في المنتصف مابين الثرى والثريا وعواطفه لا زالت منخفية بين أوشحة الحزن والبكاء بالرغم من قهقهات من يحيطون به التي بدت معالمها صريحة وجريئة وواضحة وهي تتراقص على وجهه ولكن بجروح خريفية غائرة وعميقة يصل حد نصلها إلى ملامح يائسة ربما لم يتوصل بعد إلى تلك الوحشة التي تخنقها مدافئ الشتاء وأمل ذلك أن يجد الحقيقة ما بين حقول أحلامه وفصول آلامه التي ربما قد تجد طريقها ما بين الترنح في عيون الصيف وأقواس قزح الربيع . فرح يأمل في أن تهبط عليه قدماه فقد كانت تلك المدينة النائمة بين أحضان الضباب بعيدة ولكنها قريبة منه كعرس يشتهي أن يكون فيه فهل أتى زمن الشتاء ؟ .. وكيف يأتي وحشرجات النفس بعد تكاد أن تلهو بما تجلى من ضياء وبرده يكاد يلمسه في دفء عينيها وهو متكئ لأنغام المساء . نظراته رجعت إلى مكانها الطبيعي بعدما لفها الصمت نحو ذلك الغادر الهائج وبالرغم من ذلك فقد كان الضياء المنهمر على عينيه المرهقتين جميلاً بهدوء صادق خالٍ من الزيف مده بالراحة وأبعد عنه تشنج قيثارة الصخب المنصهرة ما بين قيود الخديعة وسلال الخيانة والضغينة . كان كل شيء لديه وحوله سعيد ومبتهج وذلك ما كان يصبو إليه هدير لامس أذنيه وهو نائم بعيون شبه مفتوحة على زوايا الليل وكانت كل الأركان معتمة والريح تجر أمواج البحر والتجاعيد كانت مشتركة ما بين السكون والوحدة . لا زالت نظراته معلقة على ردائه الأبيض وعلى صمت مسائه المرتعش وعلى تلك الطيور الملونة التي يسمع ابتسامتها وهي تغني عن هدوء الضياء الساطع وأزهار الحديقة عن الجمال والإنسان ومدارات الحقيقة عن رائحة البحر وأحلام القصيدة !! . ومضة :- من شعري : لاتبحثي عني فآهاتي ثكلى واشرعتي حزينة لاتبحثي عني فلا بحر لديّ أقدمه لعينيكِ ولاسفينة