أبنائي الشباب ان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة فهو المثل الأعلى لكم، فقد شب صلى الله عليه وسلم وهو أحسن قومه خلقا، وأعظمهم امانة وافضلهم مروءة، وأبعدهم عن الغش متحليا بالحلم، متجملا بالصبر والشكروالصدق حتى لقب بين قومه بالصادق الأمين، ولكم في سلفنا الصالح خير قدوة فهذا علي بن ابي طالب رضي الله عنه دعاه رسول الله الى الاسلام وهو ابن ثمان سنوات فاسلم، وحسن اسلامه، وابلى في سبيل نصرة الدين بلاء حسنا، وقدم نفسه ليلة الهجرة فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في شأنه قرآنا يتلى : (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) وهاهو ابوذر الغفاري رضي الله عنه تبلغه دعوة الاسلام وهو في قوة شبابه فيسرع من البادية الى مكةالمكرمة ليلتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلن اسلامه ثم يأمره صلى الله عليه وسلم ان يرجع الى قومه يدعوهم الى الاسلام فيقول ابو ذر: والذي نفسي بيده لأصرخن بدعوة الاسلام بين ظهرانيهم ثم خرج رضي الله عنه حتى أتى المسجد الحرام فقال بأعلى صوته : أشهد ان لا إله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فقام اليه القوم فضربوه وكادوا أن يقتلوه لولا أن خلصه العباس بن عبدالمطلب من أيديهم. وهاهو مصعب بن عمير الذي ولد في بحبوحة النعمة وغذي بلبانها وترعرع عوده في السعادة الوارفة الظلال، ونشأ بين شباب مكة مدللا منعماً، وكانت بنات قريش الحسان كل منهن تود ان تستأثر به زوجا لها، لكنه أعرض عن كل شيء سوى الله عز وجل ونأى بجانبه عن زخارف الدنيا وزينتها ولما علم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم أسرع بمبايعته واعلن اسلامه، وحين علمت أمه بذلك طلبت منه ان يرجع عن اسلامه ولكنه فر بدينه بعد ان ذاق صنوفاً من العذاب والحبس، ولقد هدى الله على يديه كثيرا من الأنصار عندما ارسله رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولقد صار مصعب بعد هجرته الى المدينة في قلة من ذات اليد، وعاش في شظف من العيش، وفي يوم من الأيام مر على أصحابه وهم جلوس حول الرسول صلى الله عليه وسلم فانحنت رؤوسهم وفاضت عيونهم اشفاقا عليه لأنهم رأوه في ثياب رثة بالية لا تكاد تستر جسده، وقد كان فيما مضى تزهو ملابسه كزهور الحديقة عطرا وجمالا. ابنائي ان الاسلام يريد منكم ان يكون كل منكم مثل يوسف عليه السلام في عفته وطهارته، وصموده امام الاغراء، وان يستمسك كل منكم بالحق والايمان امام عتو الكفر والطغيان، وان يعرض كل منكم عن مظاهر الفتنة كما قال يوسف عليه السلام (قال رب السجن أحب اليَّ مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن أصب اليهن وأكن من الجاهلين). ان أمتكم تريد منكم ان تكونوا اقوياء امناء مثل نبي الله موسى عليه السلام الذي قال الله في شأنه على لسان احدى بنات نبي الله شعيب (قالت احداهما يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين) القصص 26، وما شباب أهل الكهف ورفضهم لما كان عليه قومهم من كفر وضلال ببعيد عن اسماعكم.. وان مظاهر الفتنة تموج من حولنا، وان تيارات الكفر والالحاد تلقي بثقلها على بلاد الاسلام، فمن يرد هذه الفتن ويستمسك بعقيدته غيركم؟. فيا شباب الاسلام اتقوا الله في دينكم، ويا أيها الآباء اتقوا الله في ابنائكم، كونوا حازمين في تربيتهم، علموهم الفضيلة، واغرسوا في قلوبهم حب الله ورسوله ليجمعكم الله واياهم في مستقر رحمته ويظلكم بظله يوم لا ظل الا ظله. والله الهادي الى سواء السبيل.