لحظة مشحونة ومغروسة انتصبت أمامه دعته دون وعي منه بأن يقفز إلى الفضاء إلى فراغ الفجر الوليد فذلك البريق في عينيه لم يطفئه الزمن فقد خرج من استكانته يتخبط في شوارع المدينة متأبطاً من كانت تمده بالحياة .. عدة صفحات يحملها معه إلى حيث يرغب أن يستريح .. غضب ينشره على تجاعيد وجهه يحمله بذهول معه أينما يذهب إلى درجة التعجب .. ممن ياترى ؟ سؤال فارغ غير مطمئن لم يجد فرصة للإجابة عليه يرزح دوماً تحت وطأة تفكيره لعل في تلك الأوجه العتيقة التي تسير أمامه ومن خلفه وفي مداره نقطة معين تمده عما يبحث عنه 0 عجّل في خطاه على غير ما اعتادت أن تسير به قدماه وقد شخَّص قبل ذلك نظره إلى من كان في تلك الشرفات البارزة بخجل ربما كان يخشى في تلك اللحظة العابرة من خديعة السقوط التي اعتاد عليها أو من حقيقته المتربصة به أحياناً بالرغم من متانة الأسقف الصلبة التي كانوا وهم يتمايلون ذات اليمين وذات الشمال عليها وبالرغم من إضاءتها الخافتة الباهتة وبهجة مراكنها الفرحة التي كانت تمد الدفء كل الدفء لتلك الأزهار والورود التي كانت مزروعة بانتشاء في جوفها 0 لم يحدث ما كان يخشاه آنذاك وأخذ معه خطواته الثقيلة إلى حيث ما كانت وجهته مجرورة بإرادته وإن كان يتمنى وهو في تلك الحالة أن يراها جرداء قاحلة من غير أعينهم أو أنوفهم أو حتى جبهاتهم وبصماتهم 0 كان يشتهي أن ينظر إليها وهى مغطاة برداء الليل وتكون وحيدة فقط مع جدائلها الفطرية التي كانت تشع جمالاً وفتنة وهى في تلك المراكن البرونزية المتشحة بالخضرة وألوان الطيف 0 تلكأ قليلاً وهو يحاول أن يمسح عن جبينه ذرات العرق التي انهمرت عليه وهو بعيد عن منتصف الطريق بالرغم من ذلك النسيم العليل الذي كان يداهمه بين الحين والآخر ويحاول أن يغتاله بشوق من بين كل العابرين استمر في وحدته مع جسده الذي بدأت ندوب الحياة تذوب عليه بكل رفق واتجه بكل حزم إلى حيث ما كان يجلب له الفرحة عن بُعد متأبطاً وريقاته المعدودة أو ربما المعدومة من أطراف الحقيقة 0 حاول وهو كذلك أن يتعجب 00 ولكن ممن ياترى ؟ لازال هذا السؤال يموء بظل ثقيل وهو يدور في مخيلته وبدون مقدمات 0 وقف قليلاً وانفعالاته لازالت كما كانت لم تهدأ وأخذ ينظر إلى ذلك المكان الذي يأمل أن يكون فيه وقد رآه عن بعد وبأبعاد ثلاثية واضحة ربما تبث في النفس البشرية الرعب والحيرة والتعجب ولكن ممن ياترى ؟ ! .. أمن تلك الجثث الضخمة غير الهامدة والتائهة والتي كانت تعبر تلك الأزقة الضيقة وهى محشورة تبحث عن لقمة آتية في تصفية شاملة بالرغم من حقيقتها الغائبة ومن أحلامها الضائعة وإذا حاز التعجب على رضاه وبلغ مداه فهل تكون تلك صفقة عادلة في ظل هواجسنا الآفلة وتضاريس جماجمنا القاحلة ؟ أم انه الهوان ببسمته المقيتة يقرع باب أرجلنا وهي تئن بضيق طويل تحت أسياخ الظلام !!! . ومضة :- من شعري : دروبي أتعبها توهج الظل .. أطفأها غرور المد خائفة من صهيل الركض في غرسي هلمِّي بإتكاءة ضوء تسامرني .. تعيد رؤى شمسي ولاتكوني اول الصمت فحنجرتي دقت الأجراس فيها ولا جرس جئتك حاملاً في يدي وردي وفي يديكِ أرى رقصات عُرسي.