علت اصوات البكاء وصراخ الاهالي المفجوعين في مطار بيروت الدولي يسألون عن احبائهم من ضحايا الطائرة الاثيوبية التي سقطت فجر أمس الاثنين في البحر جنوببيروت، ويتعلقون بحبال امل.. يضمحل مع مرور الساعات. واعلن المسؤولون اللبنانيون انه تم العثور حتى الآن على 28 جثة من اصل 90 شخصا يفترض انهم كانوا على متن الطائرة، بينما الاحوال الجوية لا تساعد عمليات الاغاثة. وبدا واضحا ان هناك عددا كبيرا من الاشخاص على متن الطائرة يرتبطون بصلة القرابة او الصداقة. وفي الوقت الذي تستمر فيه عمليات البحث عن المفقودين، أفاد الجيش بأن صاعقة ضربت الطائرة ما أدى الى احتراقها وسقوطها في البحر. وفي قاعة الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي التي فتحت لاستقبال الاهالي منذ الصباح الباكر، انهار رجل ستيني وهو يصرخ: (ابني ابني). عناصر الصليب الاحمر تسارع الى نجدته، بينما زوجته تصرخ قربه (كلهم شباب حلوين، اين ابني؟ اي ابني؟). ويتنقل الصليب الاحمر من شخص الى آخر، فيما تتعاقب الاغماءات مع ارتفاع الضغط وغياب اليقين عن ركاب الطائرة التسعين وتناقل الاخبار عن انتشال جثث. وبدأ الاهالي يتدفقون منذ السادسة صباحا الى المطار وسط طقس عاصف وماطر زاد من اجواء الحزن المسيطرة في المكان. وارتفع عدد الاهالي والسائلين تباعا: العشرات يدخلون، ينظرون يمنة ويسرة، عيونهم مليئة بالدموع، وبينهم عائلات بكامل افرادها. عند باب قاعة الشرف، شاب لم يتعد العشرين يحضن والدته التي تخبىء وجهها بيديها فيما ينسدل شعرها الاشقر على جبينها ووجنتيها وتردد (غير معقول، غير معقول)، وتقف الى جانبهما شقيقته وشقيقه يبكيان بغزارة. في داخل القاعة، تصرخ سيدة محجبة، (يا الله، يا الله، ما هذه المصيبة!). ولا توقف النحيب. (يارب لماذا، ابي كان يعمل حسنات كثيرة). ثم تتوجه الى ابنها علي الذي يبدو في الثانية عشرة من عمره وتسأله (هل من جديد؟) فيجيبها باسى (لا). وتصرخ سيدة اخرى غطت كذلك راسها بحجاب (اريد ان اعرف شيئا عن زوجي. هو عمري هو كل حياتي لا يمكن ان يتركني). ومع مرور الساعات، ينزوي ابن السيدة الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة بعد ان يقدم الى والدته زجاجة ماء، في احدى زوايا قاعة الشرف، يجلس ارضا ويشهق بالبكاء، ويتجمع حوله اقرباء له يحاولون مواساته. تمر قربه امرأة شابة تغطي الدموع وجهها وهي تصرخ باللغة الفرنسية (اين هو؟ اين هو؟)، ولا يتجرأ احد على الاستفسار منها احتراما لحزنها. شابة محجبة في المكان تقول بصوت خافت انها اتت مع عائلتها للاستعلام عن خالها حسن عيساوي الذي (لديه اعمال في افريقيا) وكان متوجها الى مقر عمله، وتضيف بيأس (لا احد سينجو من الحادثة). رغم ذلك، يتعلق المفجوعون بكل خبر وكل بصيص امل. يصرخ احدهم وهو يتكلم عبر الهاتف الخليوي (لقد عثروا على ناجين)، فيتحلق حوله العشرات مرددين (ان شاء الله، ان شاء الله). لكن الصراخ والعويل يرتفع مجددا مع تأكيد آخرين بان لا ناجين بعد، (لم ينتشلوا الا جثثا). قرابة الساعة 11.00 (9.0 ت غ)، يدخل رئيس الحكومة سعد الحريري الى قاعة الشرف، يعلو الصراخ. امرأة تصيح (قولوا لهم، قولوا للمسؤولين ان ابناءنا من خيرة الشباب. يسافرون للقمة العيش، قولوا لنا ماذا حل بهم).