يعشق أن ينام بدون خجل في جثته ويتعاطى الصمت لا فرق لديه بين كل الفصول .. لا فرق لديه بين السراب والمطر بين وجه الضجر ووجه قد يحمله يرتسم عليه ختم أشباه البشر فقد أمعن النظر في تلك الشظايا المنثورة قبل أن يرتجف وينفث مكابدته لها عبر بوابة زمنه الشافق عليه وأنحشر بين جذوع الشجر والتي قد تبدو له أيضاً كمايراها أشباه بشر .. نال ما يتمنى أو هكذا كان يعتقد ذلك المغرور وأصبح داخل سفينته الآهلة التي أندفعت أكثر منه وأنطلقت تمخر عباب العمر في رحلة لايعرف ثوانيها إلا ذلك العظيم الذي يعرف غيباً مكان فنائها .. كانت تلك التي لم يعبأ بها خلف جداره فقد حاول أن يضع أصابع وجهه على جسده مخافة أن تنسلق عليها ذكرى الماضي التليد فأعراض الخوف كانت تبدو على تقاسيم جبهته التي حاولت أن تنمو على تجاعيده وتسحبه نحو التيار الأعمق المضاد . أخرج وهو في هذه الحالة من الهذيان حيث لايزال في درجته العتيقة الصادئة ومن خلال ردائه الممزق بعض لفافات من ورق أصفر وسبح مع اصابع شبه ميتة حاولت مراراً أن تجذبه إلى القاع وهو مستمتع بالطوفان في قمة الرمح وعلى مستنقع الجمع . هو يتمنى وكم يأمل في أن يخلد في هذه الفانية دون أن يتزحزح منها ذات يوم تاركاً كل شيء حتى عرق جسده وصبغة شاربه وكحل نعله القديم الأغبر . سحب عاتية تحجب عنه تلك الرؤية الواضحة في مسار رحلته الثكلى التي تئن تحت مطارق الحرمان بالرغم من توقف تلك الجميلة الطافية على المياه اللازوردية عند إنحناءات مفترق طرق أو مشارف موانئ لايعلم عن مسمياتها شيئا.. فقط يرى بعيون جاحظه فيها حصاه أناس أمامه راحلون وآخرين قادمين بشر يخرجون بأيدهم المنهكة حقائبهم ويهمون فرحين بالرحيل فيتركون خلفهم تلك الحقائب وهي مليئة بماجنت وخبأت أيديهم المنتفخة يتصايحون وليتهم يعرفون .. وحينما يعرفون تلك الحقيقة بثاقب نظرهم إذا أسعفهم ذلك ونادراً مايكون كذلك ينصرفون مرة أخرى يتصارخون بعيداً عن بعضهم البعض .. تنطلق تلك المختالة حاملة معها ذكرياتها وداخلها من يعشقونها إلى شواطئ أخرى بالتأكيد سوف تكون قادمة فالذي ولّى ودبر لن يرجع أبداً وليس أمامك كبشر إلا أن تتقدم بالخطى وهكذا يترجل عنها أناس ووداع أحبتهم عليهم قاسٍ فأحداقهم مليئة بمايعتصرها من دموع .. يرى كل ذلك أمامه وهو يمشط عزلته بكلمات غير واعية .. يعيد جمع أحجيته عبر أسئلته القلقة وهو ينتعل حذاء فقره بالرغم من غناه المطرز بفقر نفسه .. ينام على عجل بأعين مفتوحة وبأسلوبه الذي يحفر خنادق جبهته ليوقظه من بقربه عسى أن يكون ذلك شاطئه أو ميناؤه .. تساقط رماد أغنيته بلا ضوء أو صوت او لون .. سقطت أيها السادة جثته الهامدة بخجل بين سراب الماء وحقيقة العطش فقد كان ينام داخلها بدون خجل وسقطت أخيراً بكل الخجل الذي يتوسد صفحة البحر بكل الخجل الذي ينمو على ريحان ضفة النهر بكل الذكريات التي تتحجر أشلاؤها وتتعب عند السفوح وهي تناظر بقعة الظلام الدامس . ومضة :- من شعر حسن عبدالله القرشي : أسيدتي أنا الشاكي سكبتُ هنا ضَراعَاتي وحين طرقتُ بابَ الفجرِ لم يأبه لمأساتي وقهقه ساخراً كالذئبِ في أذني وعدتُ لسجنِ شبَّاكي