لو نظر الإنسان إلى مكةالمكرمة كمدينة تعتبر عاصمة للإسلام والمسلمين، كما تعتبر قبلة العالم، ومهوى الأفئدة، وهي أكثر بقعة في الدنيا أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي المدينة التي يجب أن تعتبر رقم (واحد) في العالم من حيث التخطيط والتنظيم والنظافة واستخدام التقنية الحديثة في جميع أمورها الإدارية والعلمية... ولا يخفى علينا ما يوليه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، من اهتمام ورعاية لهذه المدينة، لذا، وجب علينا أن نساهم بالقلم والمقترحات من أجل مدينتنا التي ولدنا فيها وترعرعنا على ترابها، وشربنا من زمزمها، وطفنا حول كعبتها. فدعونا نأخذ الموضوع حبة حبة، كما يقول المكاويون.. فمكة، والتي حظيت بمشاريع جبارة ، مثل توسعة المسجد الحرام بها، وكذلك الاعتناء بمنطقة المشاعر، وإقامة جسر الجمرات الجبار على أرض منى، إلا أن هناك أمورا تحتاج إلى دراسة وإعادة نظر. أولاً: المطاف... يأخذ المطاف حجماً لا يتناسب مع الأعداد الغفيرة والمتزايدة عاماً بعد عام، من الحجيج والمعتمرين والزائرين. وأعلم أن هناك دراسات بهذا الخصوص، فأرجو أن يدرس هذا الموضوع من جميع جوانبه، حتى ولو أدى ذلك إلى هدم جزء من مباني المسجد الحرام المحيطة بالمطاف، وذلك لتوسعته. ولكن العملية ليست بهذه السهولة التي نتكلم عنها، فالهدم بسيط ولكن عملية إعادة التخطيط والبناء صعبة جداً. وليس هناك صعب أمام الإرادة القوية والرغبات الصادقة التي تصب في صالح ضيوف الرحمن، وخدمة المسجد الحرام. وإذا لم نقم بتوسعة المطاف، فإنه يجب أن تظل أعداد الحجاج من جميع أنحاء العالم، على ما هي عليه، ولفترة غير محددة. قد تكون إلى ما لا نهاية، حتى توجد الطريقة السليمة لزيادة مساحة المطاف، والتي تخدم الأعداد المتزايدة عاماً بعد عام. ثانياً: مكة والسيول... أرجو أن يدرس موضوع حماية مكةالمكرمة من السيول، وذلك بدراسة مجاري السيول والعمل على وضع المنشآت الكفيلة بحماية مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة من أخطار السيول العارمة، وهذه مهمة الفنيين والمختصين في هذا المجال... والجميع يعرف كم من السيول التاريخية التي هاجمت مكة والمسجد الحرام، ومعظمها كان يحدث يوم الأربعاء، والتي طغت مياهها وارتفع منسوبها في المسجد الحرام حتى بلغ أكثر من ارتفاع باب الكعبة المشرفة. ولي ملاحظات وحديث مستقبلي عن مجاري تصريف السيول في شوارع مكة. ثالثاً: المواصلات بمكة.... يعاني الكثيرون من أهالي مكة وكذلك الحجاج والمعتمرون من صعوبة التحرك والوصول للمسجد الحرام، كما يجدون صعوبة في إيجاد مواقف سيارات لهم حول المسجد الحرام، لذا، وجب علينا أن نفكر في إيجاد الحلول المناسبة والسريعة، لحل مشكلة المواصلات بمكة، وذلك بإنشاء شبكات متنوعة للمواصلات بها، ومنها: (مترو أنفاق مكة) وهو عبارة عن شبكة مواصلات تحت الأرض (Underground) كما هو معمول به في مدينة باريس ولندن وكثير من مدن العالم، حيث بلغ عمر شبكة مترو الأنفاق بلندن وباريس أكثر من مائة عام تقريبا... فنحن نريد شبكة تمتد وتغطي جميع أحياء مكة، وأن يكون لها محطات عند مواقف حجز السيارات التي تقع عند مداخل مكةالمكرمة الرئيسة. ومن ناحية أخرى، يجب تفعيل شبكة النقل الجماعي لتغطي أحياء مكة وشوارعها، وأن يكون لها مواقف ثابتة ومواعيد محددة، وأن تتنوع بطاقات ركوب هذه الحافلات وتذاكرها بحيث تكون يومية وأسبوعية وفصلية وسنوية لاستخدامها من جميع شرائح المجتمع. رابعاً: مياه زمزم ... من المعروف أن معظم أهالي مكةالمكرمة يشربون ماء زمزم طيلة أيام السنة، ونعرف أن هناك محطات لتوزيع مياه زمزم في مكةالمكرمة، والكل يعرف ما يحصل من تزاحم شديد للحصول على هذه المياه المباركة، وما يحصل من إيقاف بعضها لفترات مثل ما حصل العام الماضي، فلماذا لا تقوم مؤسسة الزمازمة بدراسة آلية معينة، لتعبئة مياه زمزم في عبوات كبيرة، وتوزيعها على مساكن أهالي مكةالمكرمة، أو أن يكون لها مراكز توزيع، وذلك مقابل اشتراك مادي يدفع مقدما. وهذا الإجراء يغني الناس من التزاحم ومن السمسرة التي يقوم بها بعض الوافدين لتعبئة الماء، وكذلك للتأكد من سلامة التعبئة. خامساً: الشكل الجمالي لواجهات المنازل بمكة.... من عاش قبل خمسين عاما في مكة، كان يشاهد الشكل الموحد للمنازل (البيوت) في مكةالمكرمة، فقد كان معظمها حجرياً، تزينه الرواشين الخشبية، المنقوشة والمصنوعة يدويا ومحليا وبأيدي أهالي مكةالمكرمة المهرة، الفنانين الكبار، من أجدادنا وآبائنا، الذين نقشوا لوحات غاية في الجمال والروعة والإتقان، بفن ومهارة لا مثيل لهما، وبفطرة ومهارة عجيبة، فمن ينظر للبيوت في تلك الفترة ولأهالي مكة، يعرف أنهم أناس عاشوا نسيجا اجتماعيا متكاملا متكافلا. ونحن نرى اليوم مباني ترتفع عالية آخذة أشكالا بعيدة عن الواقع المعماري المكي القديم، وبعيدة الهوية المكية التراثية. إلا من بعض المباني التي أخذت (نوعا ما) أشكالا هندسية ومعمارية مكية قديمة، مثل مشروع مكة للإنشاء والتعمير، وكذلك منزل الشيخ عبدالرحمن فقيه في العزيزية، ومنزل المهندس الدكتور سامي برهمين في حي الخالدية(2). علما أن المباني الحديثة لم تدرس واقع المناخ في مكةالمكرمة، معتمدة على أجهزة التكييف، التي لو تعطلت لاختنق الناس داخل الغرف من الحرارة. بينما اعتنى الأقدمون بهذه الناحية فجعلوا بيوت مكة مكيفة ذاتيا، بالرواشين الخشبية كبيرة الحجم، وبطريقة انسياب الهواء داخل المبنى وخروجه منه بطريقة رائعة ومتقنة، وكذلك بعرض الحوائط الحجرية، وبالألوان البيضاء المستخدمة والتي طليت بها الجدران الخارجية. فاللهم ارحم أجدادنا وآباءنا الذين برعوا في إظهار مكة بصورة جدّ رائعة ومثالية. وللحديث بقية إن شاء الله . ويا أمان الخائفين.