الخطاب الضافي الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله أمام مجلس الشورى والكلمة المكتوبة التي وجهها أيده الله إلى الأعضاء ، أكدتا بالفعل ما تحمله المملكة العربية السعودية تجاه أمتها العربية والإسلامية وتجاه شعبها الكريم وهي مسؤولية وأمانة تنطلق من دورها الريادي والقيادي الذي يثق فيه العالم أجمع بعد ان وظفت كل جهدها وطاقتها من أجل السلام والاستقرار على كافة المستويات المحلية والاقليمية والدولية. وليس غريباً أن يتضمن خطابا المليك المفدى تشخيصاً لتلك التحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية حيث حددها حفظه الله في قوله: (عدوان إسرائيلي عبث بالأرض فساداً وخلاف فلسطيني بين الأشقاء هو الأخطر على القضية العربية من عدوان إسرائيلي يوازيه خلاف عربي وإسلامي يسر العدو ويؤلم الصديق ، وفوق هذا كله طموحات عالمية واقليمية لكل منها أهدافها المشبوهة) ولكن كما شخص القائد المفدى الداء فقد وضع أيده الله الدواء الشافي لمواجهة هذه التحديات ويتمثل في قوله: (يقظة لا غفلة معها ، وصلابة لا تقبل الضعف ، وصبراً لا يخالجه اليأس وقبل ذلك إيمان بالله لا قنوط معه ومع كل ذلك أن يستدعي مسؤولية مضاعفة لمواجهة التحديات التي يأخذ بعضها برقاب بعض). هذه الموجهات العظيمة تمثل صميم سياسة المملكة بقيادة خادم الحرمين ودائماً ما يدعو اليها خادم الحرمين الشريفين أيده الله في كل فرصة وسانحة وقد سبق وأن دعا اليها في قمة الكويت الاقتصادية العربية الاخيرة ودعا إلى مصالحة عربية ونبذ أسباب الخلاف وبدأت تلك الدعوة تؤتى أكلها في لقاءات وزيارات وبدأ الجرح العربي يأخذ في الاندمال ولكن لازال الشقاق الفلسطيني يؤرق العرب عموماً والمملكة على وجه الخصوص التي بذلت من الجهد الكبير لارساء مصالحة دائمة بين فتح وحماس في مكةالمكرمة وكان لهذه المصالحة أن تؤسس لفترة استقرار دائمة لو تم الالتزام بما تم الاتفاق عليه في مكةالمكرمة ، ولكن القيادة الحكيمة في المملكة تؤمن ان لا يأس من روح الله فهي ساعية في بذل كل جهد للوفاق الفلسطيني ولهذا فهى تدعم وبكل قوة جهود الاشقاء في مصر وتأمل أن ينتهز الفلسطينيون ذلك لطي صفحة الخلاف إلى الابد. لقد أوضحت الأيام السابقة وخاصة فترة الهجوم على غزة أن الشقاق الفلسطيني الحاد هو الذي أغرى إسرائيل على شن هذا الهجوم الشرس ، ولم يقف هذا الشقاق عند إغراء إسرائيل بالعدوان فقط بل أضعف القضية العربية العادلة وقد أشار المليك المفدى إلى ذلك بقوله: (الخلاف الفلسطيني بين الأشقاء هو الأخطر على قضيتنا العادلة من عدوان إسرائيلي). أما على الصعيد العربي فقد كانت كلمات خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت مفتاحاً لرأب الصدع في العلاقات العربية العربية وآتت دعوة المليك للمصالحة ثمارها ولازالت تتفاعل وإن شاء الله سيكتمل عقد المصالحات في أول قمة عربية قادمة. وهذا الحرص من المليك المفدى على وحدة الصف يأتي إدراكاً منه للتحديات الكثيرة المحيطة بالأمة وضرورة أن تتجاوز الأمة ذلك بوحدة منيعة وأن تترك الخلافات والاحتراب بينها وراء ظهرها فقد قال المليك المفدى كلمة معبرة ومؤثرة يجب أن نقف عندها كثيراً (الانتصار لا يتحقق لأمة تحارب نفسها) .. فكيف ننشد الانتصار وخناجرنا موجهة لظهورنا وإعلامنا موجه ضد بعضنا البعض ، هذا هو الواقع حالياً ولكن ينبغي كما يدعو إلى ذلك القائد المفدى أن يتغير اليوم قبل غد إذا كنا ننشد بالفعل الانتصار على عدونا واستعادة حقوقنا المشروعة كاملة غير منقوصة ، مستشعرين ومدركين للطموحات العالمية والاقليمية والتي تسعى لتحقيق أهداف مشبوهة تريد تحقيقها من خلال بعثرة صف الأمة وتشتيت كلمتها. فهل نكون في هذا المستوى الذي يدعو اليه المليك المفدى حتى نحول دون تحقيق تلك الطموحات أم ننتبه إلى هذه المخاطر ونحقق وحدة حقيقية يمكن أن ننهض بها من كبوتنا . ولما كانت الأزمة المالية العالمية حدثاً مجلجلاً واستطاعت المملكة أن تواجهه بقوة كان لابد من طرح جهود المملكة لمعالجة هذه الأزمة أمام المجلس الذي يحظى بثقة المليك المفدى فالأزمة المالية كما أشار خادم الحرمين (لم يكن لنا يد في صنعها) فقد تعاملت المملكة مع تلك الأزمة بحكمة واستطاعت أن تجنب البلاد اسوأ عواقبها ، من خلال رؤية ثاقبة قدمتها المملكة في قمة العشرين الاقتصادية ومن خلال تجربة اشاد العالم كله بنجاحها. ولن تتردد المملكة في تقديم كل ما تستطيع خلال الاجتماع المرتقب لقمة مجموعة العشرين في ابريل القادم بالعاصمة البريطانية لندن ، ونجاح المملكة في مواجهة الأزمة المالية العالمية مكنها من الاستمرار في مسيرة التطوير والتنمية والبناء ، فالوطن هو الأولوية دائماً وكل ما تقوم به المملكة داخلياً كان أم خارجياً فهدفه الأول الارتقاء بالوطن والمواطن وقد أكد القائد المفدى ذلك بقوله (هذا سبيلنا وهذا نهجنا وسوف نمضي بحول الله وقوته مستلهمين منه - عز وجل - القوة والعزم ، عاملين بلا كلل ولا ملل لصناعة الغد السعودي المشرق بالرفاه المزدهر بالمحبة والتسامح ، الفخور بعقيدته وإيمانه). وطبيعي أن لا تمر هذه الكلمة التاريخية دون الاشارة إلى الحوار فخادم الحرمين الشريفين هو رائد حوار الحضارات في مواجهة ما ظهر من أفكار ومفاهيم عن صدام الحضارات وقد دعا المليك المفدى إلى تجسيد ثقافة الحوار وعقدت من أجل ذلك حوارات داخلية وخارجية حتى توجت باجتماع دولي تبنى في ختام أعماله ما كان يدعو إليه خادم الحرمين وصدر بيان رسمي يؤيد ويدعم ما دعا إليه الملك المفدى وقد جاءت الدعوة للحوار بعد أن أضعفت الحروب والصراعات قيم السلام والمحبة في المجتمع الدولي وأقحمت الأديان ونهج التطرف في هذه الصراعات وساد في المجتمع الدولي ظواهر سلبية تهدد أمنه واستقراره. ومن هنا جاءت دعوة المليك لتنتشل المجتمع الدولي من هذا الواقع المظلم إلى أفق رحب يتحاور فيه الجميع ويتفاهم بعضهم مع بعض ومن خلال هذا الاسلوب الحضاري يمكن ان تتقارب الأفكار وتمحى غرائز الانتقام ويسود السلام والوئام العالم أجمع ، بإذن الله. وبحق فقد كانت كلمة المليك المفدى نبراساً يضئ العتمة من خلال جهود مقدرة للنهوض بالأمة العربية والإسلامية لتواجه تحدياتها المحيطة بها ، وليظل الوطن الغالي دوماً في المقدمة من خلال خطط تنموية وتطويرية لن تتوقف ، ومن أجل أن يسود العالم أجمع السلام والاستقر ار انطلاقاً من منهج حوار يعزز من مفاهيم ثقافة السلام بين البشرية انطلاقاً من المشترك الإنساني بينها.