لقد قامت وزارة التربية والتعليم في السنوات الأخيرة باهتمام بالغ لبناء المدارس الحكومية (للبنين والبنات) في مختلف أرجاء الوطن وفقاً لمواصفات ومعايير عالية ، لتوفير بيئات تعليمية محفزة على التعلم ومساهمة في تحسين أساليب التدريس واستراتيجياته بما توفره من فصول مريحة ومجهزة بالمعينات التدريسية ومصادر التعلم . وهذا الاهتمام بالمباني المدرسية الحكومية هو أحد أهم بنود الخطة الإستراتيجية لتطوير التعليم في المملكة والذي أنفقت عليه الدولة مئات الآلاف من الملايين إيماناً منها بأهمية التعليم الذي يمثل العصا السحرية في رقي الأمم ونموها وتقدمها الحضاري . وإن كان ما تقوم به الدولة من تطوير للمجتمع هو جزء من مسؤولياتها وواجباتها اتجاه المواطن فإن المواطن بالمقابل لا بد أن يقابل هذا العطاء بالاعتراف بالجميل والمحافظة على هذه المكتسبات وعدم المساس بها أو إتلافها لأن ذلك يعتبر تعدياً على حقوق الوطن . أقول هذه العبارات ، لشدة ألمي لما شاهدته من آثار تنبئ عن إهدار لحقوق الوطن وذلك أثناء زيارتي لإحدى المدارس المنشأة حديثاً والتي لم يتجاوز بناؤها ثلاثة أعوام ، فقد كنت في زيارة صفيه إشرافية ، ونظراً لأن الموقف الإشرافي يتطلب الإحاطة بكل جوانب العملية التعليمية ، فقد لاحظت وجود تشوهات وكتابات على الجدران والمقاعد تثير الاشمئزاز ، بل إنها تنم عن اللامبالاة بأهمية المكان وضرورة احترامه ، بل ربما تنبئ عن انحدار في الذوق العام والاستهتار بالأنظمة والتعليمات المدرسية وعدم احترام للسلطة المدرسية بما فيها مديرة المدرسة .. بل وعدم احترام للقيم الإسلامية والأخلاقية التي تجعل النظافة من الإيمان .. كل هذه الأفكار دارت في خاطري وأنا أجلس في الحصة الصفية .. وأخذ الألم يعتصر قلبي والحزن يكسو محياي بل إن عبرتي كادت أن تخنقني .. أيقابل العطاء بالإجحاف ... والبذل بالإنكار !!!. وما أن انتهت الحصة الصفية وشكرت المعلمة على أدائها حتى توجهت للطالبات بسؤال : حبيباتي هل تعرفن ما معنى الوطنية؟ .. وهنا وجمت الطالبات حيث أن السؤال خارج نطاق درس اللغة الإنجليزية .. وفهمن أن السؤال وراءه (إنَّ!) . فما كان مني إلا أن وجهت أسئلة أخرى متتالية تثير اهتمامهن وتحتاج إلى تفكير ومحاسبة للنفس فقلت: هل من الوطنية إحداث مثل هذه التشوهات في مدرسة وفصول دراسية لم يتجاوز عمرها ثلاثة أعوام؟ هل تعرفن عدد الملايين التي أنفقت على هذه المدرسة؟ الوطن قدم لك هذه المدرسة الحديثة بدلاً من الفصول المعلبة التي كنتن بها سابقاً... فماذا قدمتن أنتن للوطن؟ ماذا برأيكن سيكون وضع المدرسة بعد عدة أعوام إذا استمر هذا التشويه..؟ كل واحدة منكن أريدها أن تجيب عن هذه الأسئلة لنفسها وبأمانة وصدق !! ثم اتجهت صوب الإدارة المدرسية والتي كانت مديرتها من المديرات القديرات والتي أفادت بأنه تم تنبيه الطالبات لذلك مسبقاً ، ولكن دون جدوى . كما أفادت معلمة الصف أنه سبق اتخاذ إجراءات بمطالبة للطالبات بتنظيف الفصل وإزالة التشوهات والكتابات من على الجدران والمقاعد ولكن رفضت الطالبات رفضاً قاطعاً بحجة أن ذلك ليس من مهامهن ولن يفعلن ذلك مهما كلف الأمر !!. أعتقد أن هذه السلوكيات ناتجة عن عدم الوعي بحقوق الوطن وما تنفق الدولة من ملايين على هذه المنشآت وعد الاعتراف بالواجبات تجاه الوطن أو لعدم الإحساس فعلاً بالانتماء والوطنية وأن هذا الوطن هو المنزل الكبير الذي لا بد أن نحافظ عليه ونرعاه ونهتم بتنظيفه والمحافظة على ثروته الوطنية من الهدر . وأن أي اتلاف لهذه المرافق يعني تعطيل الاستفادة منها للآخرين الذين يأتون من بعدنا . وفي الحقيقة فإن نظام وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية وفي المادة (62) فقرة (ج) ، نصت المادة على: (لا يسوغ للتلميذ أن يكتب على جدران أو أبواب أو مصاعد المدرسة) والفقرة (د) نصت على: كل من أضاع أو أتلف شيئاً من أشياء المدرسة يكلف بتعويضها ويؤدب إن تعمد ذلك أيضاً . المادة (63) . كما حدد نظام العقوبات في المادة (65) منع العقاب البدني ولكن أوجد عقوبات أخرى مثل : التوبيخ الانفرادي ، التوبيخ أمام التلاميذ ، منعه من الفسحة مع تكليف بعمل إضافي ، الحجز في المدرسة بعد الانتهاء من الدرس .... إلخ إلا أننا وللأسف نجد أننا ألغينا كافة العقوبات حتى ما استحدث من عقوبات في لائحة الانضباط السلوكي خوفاً من شكاوى أولياء الأمور أو أن يوضع في ملف الطالب نقطة سوداء وبهذا أمن الطالب العقاب فتمرد على كل الأنظمة والتعليمات بل والقيم . حقاً إن من أمن العقاب أساء الأدب . ولكن وقبل أن نفكر بالعقوبات نريد تطبيق التوعية الوطنية لطالباتنا ، وتحقيق الإجراءات الاحترازية الوقائية، فلماذا لا يكون هناك منهج للتربية الوطنية للطالبات كما هو الحال بالنسبة للطلاب؟ فتتعلم الطالبة ما هو الوطن؟ وما هي حقوقه؟ وما هي واجباتها تجاه مرافق الدولة؟ وكيفية المحافظة عليها واحترامها؟ .... إلخ . ولماذا لا يكون اليوم الوطني يوماً - ليس فقط للشعارات الرنانة – بل يوماً للتوعية بواجبات المواطن تجاه وطنه. أعتقد أن رعاية النشء وتربيته من أهم مسؤوليات كافة العاملين في ميدان التربية والتعليم من أعلى الهرم الإداري إلى قاعدته وهي أمانة نسأل عنها يوم القيامة فقد قال تعالى:(وقفوهم إنهم لمسئولون) فهل أعددنا أنفسنا لذلك اليوم ؟؟.