منذ أن اتجهت المملكة إلى اقتصاد السوق، وهي تعتبر أن العولمة أصبحت حقيقة واقعة، تتطلب التعامل معها للاستفادة منها وتقليل آثارها السلبية، فليس من قبيل المبالغة القول إن توقيع اتفاقيات (الجات) الموقعة في مراكش في عام (1994م) والتي آلت الى تأسيس منظمة التجارة العالمية (WTO) والذي يعتبر أهم حدث اقتصادي شهده العالم منذ توقيع اتفاقية بريتون وودز في عام (1944م). ولا يخفى طبعاً على القارىء الأهمية القصوى للتجارة العالمية بالنسبة للتنمية في أية دولة من دول العالم. وما يزيد من أهمية اتفاقية الجات هو تحرير التجارة من القيود الزمانية والمكانية ومن قيود الاجراءات الادارية والقضائية في بلدان العالم. لذلك فان هناك علاقة طردية بين الاقتصاد والقضاء، بما يعني ضرورة انشاء محاكم متخصصة تُسهم في سرعة البت في المنازعات التجارية والاستثمارية ومن تحرير القضايا التجارية من مشاكل البطء في التقاضي المعروف في المحاكم العادية لتقليل الخسائر المترتبة على ذلك للتجارة والتجار (المصدرين والمستوردين) والتطوير وازدهار المعاملات التجارية والاقتصادية، مما يجعل هذه المحاكم بوابة الأمن الاقتصادي. اذن ما الذي ستقدمه هذه المحاكم المتخصصة؟ وما هي الايجابيات التي ستحققها؟ ان هذه المحاكم الاقتصادية سوف تنظر المنازعات الناشئة من القوانين الاقتصادية مثل سوق المال والتمويل العقاري، ومشاكل الافلاس في القانون التجاري ومشاكل الاستيراد والقضايا الجمركية وقانون البنوك وغيرها من الجرائم التي تنص عليها القوانين وهي محكمة مثلها مثل أي محكمة لكنها تختص بنظر قضايا الاقتصاد والاستثمار والقضايا الجمركية من استيراد أو تصدير. ويقوم عدد من القضاة بالنظر في القضايا المعروضة عليها بشكل متخصص لان عنصر الوقت اصبح مهماً في هذا المجال وهو ما تسعى اليه هذه المحاكم المتخصصة. ولما كان قدر المملكة بحكم ثقلها الدولي هو الانخراط في النظام الاقتصادي الدولي فإنه لا بديل أمامنا من انشاء المحاكم الاقتصادية لحماية النشاط الاقتصادي بصفة عامة والاستثماري بصفة خاصة، ويُعطي رسالة قوية للتجار والمستثمرين والمستوردين والمصدرين بأن ما كانوا يرونه عقبة أمامهم من تأخر الحسم السريع والعادل للمنازعات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية في مجال الاستيراد والتصدير والقضايا الجمركية المتعددة الخاصة بالتزوير والغش وخلافها ستعالجه محاكم متخصصة في الشئون الاقتصادية يقوم على شئونها قضاة متخصصون ومؤهلون لحسم هذه المنازعات. وفي ضوء ذلك فإن المحاكم الاقتصادية تمثل نموذجاً للقضاء المتخصص وهو ما يجعل مستقبلنا الاقتصادي يتحدى الازمات الدولية الاقتصادية ويؤكد انها أي المحاكم الاقتصادية درع للأمن الاقتصادي السعودي.