مكالمة هاتفية قصيرة تلقيتها من الإخوة بجريدة الندوة أعادت بذاكرتي إلى الوراء مسافة امتدت إلى أربعين عاماً تقريباً، إلى الفترة التي اعتبرها محطة هامة في حياتي حين كان لي شرف العمل في صحيفة مكةالمكرمة وكنت حينها حديث التخرج من الجامعة حين أتيحت لي الفرصة أن أعمل كمحرر غير متفرغ بها. بدون أدنى تردد توجهت إلى مقر الندوة بالتنعيم لأقابل رئيس التحرير آنذاك الأستاذ الكبير حامد مطاوع ولأتعرف منه خلال جلسة لم تكن قصيرة بماهية العمل الصحفي وسلوكياته وعلمت خلال لقائي معه أنني سأعمل في صحيفة تشهد تطوراً كبيراً في كافة مرافقها سواءً في المطابع أو التحرير وأنها سوف تكون من أوائل الصحف التي تستخدم أحدث وسائل الحصول على الأخبار عن طريق وكالات الأنباء العالمية وفق أحدث التقنيات التي كانت سائدة في ذلك الوقت. واجتمعنا تحت سقف التحرير مجموعة من المحررين أذكر منهم الأخوان نعمان طاشكندي مدير التحرير وعيسى خليل سكرتير التحرير رحمهما الله وحامد عباس ومحمد حافظ ويحيى مطهر وعبدالله شاووش أسندت إلى كل واحد منا المسؤولية عن صفحة أو أكثر من صفحات الجريدة، وكان كل منا يقوم بعمل زميله إذا ما منعه طارىء من الحضور، توثقت علاقتنا وأصبحنا نعمل يداً واحدة وكنا ننتهز أي فرصة للاجتماع بعيداً عن جو العمل وكثيراً ما كنا نقضي إجازة الأسبوع القصيرة في رحلة إلى الطائف. كانت الندوة في تلك الفترة في وضع تغبطها عليه كافة الصحف فقد بلغت مستوى كبيراً خاصة فيما يتعلق بالطباعة أو حداثة الأخبار إضافة إلى الرصانة التي تميزت بها وهي الصفة التي اكتسبتها بحق من رئيس تحريرها في ذلك الوقت الأستاذ حامد مطاوع. كنا نجد متعة كبيرة حينما نذهب إلى إدارة الندوة بالغزة لشأن من شؤوننا الوظيفية لمقابلة مدير الإدارة الأستاذ الكبير أحمد السباعي رحمه الله بل كنا نختلق الأسباب لمقابلته وكان رحمه الله لا يبخل علينا بمساحة كبيرة من وقته الثمين ليسدي إلينا نصائحه القيمة وتوجيهاته بأسلوبه المرح مما كان له أكبر الأثر في عملنا. وكانت لحظة حزينة حينما علمت أنني سوف أترك هذا الكيان مرغماً وابتعد عن أشخاص أصبحوا جزءاً هاماً في حياتي بعد أن تقرر نقل مقر عملي الأساسي بوزارة الحج والأوقاف إلى الرياض وكانت تلك من أصعب اللحظات. وإن كنت قد تركت المكان فلا زلت أشعر بانتمائي إلى الجريدة وارتباطي بها ولا زالت واحدة من أهم الصحف التي أحرص على قراءتها يومياً رغم كل الظروف التي مرت بها. وفي هذا الوقت أسأل المولى سبحانه وتعالى أن يوفق القائمين عليها لتعود إلى الصدارة إلى المكان الذي يليق بها باعتبارها رمزاً لأطهر بقاع الأرض.