(السمعة الطيبة) للإنسان هي (الثروة) الحقيقية ، بها ينال ثقة الناس ، ويحظى بمحبتهم ، تنمو وتزداد بالخلق الفاضل والتعامل الإنساني الشريف. فإذا تعرضت هذه الثروة الغالية للتشويه والاهتزاز جراء غفلة صاحبها ، وانقياده لأهواء العابثين الحاقدين ، فإن نظرة الناس إلى هذا التغير المشين ستكون مضرة لمن كان في أعينهم كبيراً. - وعبث (الصديق) بالسمعة الحسنة أشد خطراً من أي مؤثر غريب قد تتلافى شرَّه بالحذر من مكائده ، لأن الذي أحسنت ظنك فيه - وكان الخبث يسكن دواخله - قد يوقعك في شر أعماله!. | فالخبيث - وإن ظهر في ثوب الطهر - يريدك أن تكون مثله .. وعندما ينجرف نحو الرذيلة ، فإن همَّه أن تكون مشاركاً له في أي عمل دنيء يقترفه ، لازالة الحرج الذي قد يشعر به إذا كنت مشاهداً فقط ، ولم تكن مشاركاً في الرذيلة!. - وفي زمن يقلُّ فيه من يرعى (الصحبة) ويحافظ على صفاء المودة. كان لابد للمرء أن يكون حريصاً على انتقاء من يرى فيه الخير والصلاح ، وذلك: (الوافر دينه ، الوافي عقله ، الذي لا يملك على القرب ولا ينساك على البعد ، إذا دنوت منه داناك ، وإن بعدت عنه راعاك ، وإن استعنت به عضدك ، وإن احتجت إليه رفدك ، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله) كما قال ابن السماك. | ومن دواعي الحرص على الاختيار الأنسب الاَّ تخدعنا مظاهر الصداقة الزائفة ، وقد تنبه لذلك الإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي (510 - 597ه) ، يقول - رحمه الله -: (كان لنا أصدقاء وإخوان أعتدُّ بهم ، فرأيت منهم من الجفاء وترك شروط الصداقة والأخوة عجائب ، فأخذت أعتب ، ثم انتبهت لنفسي فقلت: وما ينفع العتاب ، فإنهم إن صلحوا فللعتاب لا للصفاء. فهممت بمقاطعتهم ، ثم تفكرت ، فرأيت الناس بي معارف وأصدقاء في الظاهر ، وإخوة مباطنين ، فقلت: لا تصلح مقاطعتهم ، انما ينبغي أن تنقلهم من ديوان الاخوة إلى ديوان الصداقة الظاهرة. فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلى جملة المعارف ، وعاملتهم معاملة المعارف ، ومن الغلط أن تعاتبهم..). - ويحذر الإمام الجوزي ممن يظهرون الود ويخفون العكس ، يقول: وإياك أن تنخدع بمن يظهر لك الودّ ، فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره. وربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك). | فالرؤية المعتادة نحو الصداقة التي تسعدك وتحافظ على ثروتك الحقيقية ، هي التي يكون فيها (الصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب إن لم تكن مثله شانته). - نُقل عن شكسبير قوله: (السمعة الطيبة جوهرة النفس ، فمن يختلس نقودي فإنما يختلس شيئاً تافهاً إذ إن النقود التي كانت لي صارت له. أما من يفقدني سمعتي الطيبة فهو يسرق مني شيئاً لا يغنيه لكنه يفقرني). | لذا كان من الضروري أن يكون المرء حذراً (في حلِّه وترحاله) من مساوئ (الصداقة الظاهرة) التي قد تكون سبباً في تردِّي سمعته الطيبة إلى الدرجة التي تحط من قدره ، ومكانته في قلوب محبيه. و(يا أمان الخائفين)!!.