كنا نجلس سويا عند أحد الأصدقاء بجانب بيته على كراسي من حديد كانت تسمى المركاز وكنا مجموعة من الأخوة من مستويات مختلفة نتجاذب اطراف الحديث حتى موعد صلاة المغرب ثم نذهب لاداء الصلاة جماعة في المسجد القريب ، وكل يذهب في حال سبيلة، وذات يوم قال أحد الجالسين معنا أنت ياصديقنا سمعت ان أرضك هذه سمحوا فيها بالبناء لأدوار عديدة ومحلات تجارية، اعجب صاحبنا بالفكرة وبدأت الفكرة تكبر في ذهنه حتى قام وعمل الخرائط اللازمة للبناء واستخرج التصريح من البلدية ثم شمر عن ساعديه وبدأ البحث عن المقاول وانشغل الرجل بأمور وهم العمارة ، وكيف يبنى وكيف يشطب وكيف يدخل الماء وكيف يدخل الكهرباء، وكيف يحاسب المقاول والعمال ، وكلما استطاع تدبير مبلغ صرفه في العمارة ، وبدأ يأخذ الدين من أصدقائه ، ومن هذا ومن هذا ووعدهم بأن يرد لهم الدين بعد انتهاء العمارة وتأجيرها ، ومرت الأيام ، واستطاع اكمال العمارة ذات الادوار العديدة والمحلات التجارية ، بعد أن أخذ هذا من وقته وصحته الشيء الكثير جداً. مرض الرجل وازداد مرضه وما لبث أن دخل في غيبوبة كاملة ، وانتقل إلى رحمة الله تعالى ، ولم يؤجر المبنى ولم يؤجر المحلات التجارية ، غفر الله له وللمسلمين أجمعين. قال تعالى في محكم كتابه العزيز : ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً) النساء :77. وقال تعالى : ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وأن الاخرة هي دار القرار) غافر: 39. وقال سيد الخلق أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك). وقال سيد الأولين والاخرين رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما الفقر اخشى عليكم ولكني اخشى ان تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما اهلكتهم). وقال الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (الدينا دار أولها عناء واخرها فناء، حلالها حساب وحرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ومن افتقر حزن. وقال الشاعر: الا انما الدنيا على المرء فتنة على كل حال اقبلت أم تولت وقال شاعر آخر : فمن ظن ان الدهر باقٍ سروره فقد ظن عجزاً لا يدوم سروره وقال شاعر آخر: ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ويسلب ما اعطى ويفسد ما أسدى وقالت الحكمة: الدهر يومان يوم لك ويوم عليك فان كان لك فلا تبطر وإن كان عليك فلا تضجر. فياسادة يا كرام دعونا نعلم أبناءنا وندربهم على اغتنام شبابهم قبل هرمهم واغتنام صحتهم قبل مرضهم ، واغتنام غناهم قبل فقرهم ، واغتنام فراغهم قبل شغلهم واغتنام حياتهم قبل موتهم، وصلى الله على سيد الخلق أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحبه أجمعين.