كل موجود في هذه الحياة له آخر ، ولذا المادة قد تفنى ولكنها لا تستحدث من العدم ، ومن هذا المنطلق لا أتصور أن تكون المادة كل شيء بالنسبة لحياة الكثير من الناس . ولو فكر أحد بهذا فحتما نهايته معلومة ، فسيعيش عيشة ضنكا ، وسيتجنبه الناس ويهجروه ، وبالتالي سيفقد كل شيء في حياته حتى المال الذي يسعى لأجله . ولو كان المال كل شيء لحاول كل الناس شراء السعادة في الدنيا والجنة في الآخرة ، ولكن الله جعل المال سبيل لقضاء الحاجات وطريق موصل إلى الجنة إذا تم استخدامه بالشكل الذي بينه الشارع الحكيم . كل يوم أقرأ وأسمع قصصا لست لها سعيدا وما هي بأفعال بشر يتمتعون بكامل الأهلية البشرية والفطرة السليمة ، فهذا قتل ابنه لأجل المال وذاك هجره ، وهذا عضل ابنته لأجل المال وذاك تبرأ منها ، وذاك حرم أبناؤه من معنى الأبوة الحقيقية لأجل المال والآخر حرم الابن من أمه والأم من ابنها .. وهلم جرا .. وياله من عار وشنار أن يحدث هذا لأجل حفنة دولارات لا تسمن ولا تغني من جوع ، فالأنفس ذاهبة وهكذا سيكون مآل الأموال فلماذا كل هذه القسوة والتنكيل . الحقيقة أن بعض الآباء يعمل ذلك بمحض إرادته جهلا منه والبعض الآخر يعمله لأنه بالطبع يتمتع بفكر منحرف تربويا ومفهوم خاطئ عن مدى العلاقة الربانية بين الأب والابن ، أو التهاب حاد مسبب تقرحات في التربية الصحيحة وفكر مادي بحت . والكثير من الآباء من أولوياته في الحياة ( المادة ) وكيف يتحصل عليها ممن هم تحت ولايته ، ولا يهم إن كان لدى الأبناء إمكانية منحه جزء من الراتب أم لا ، ويعتبر حصوله على رواتبهم أمر عادي جدا ومفروض وحق من حقوقه ، بينما الشرع لا يسمح له ذلك على الإطلاق . ودائما وبكل أسف الأبناء يدفعون ثمن الطمع والجشع الذي يعيشه الآباء وخاصة ( الأنثى ) لأن بعض الآباء للأسف يعمد إلى التلكؤ في تزويج بناته من أجل أن يستولي على الراتب الذي تتحصل عليه أو يفرض عليها رسوم شهرية كضريبة لما قام به من تربية وعناية على مدى السنوات التي مضت من عمرها دون حاجة . وهذا إنما هو من سبيل رد الواجب بالقوة والجبروت ، فالتربية والعناية وتوفير الغذاء والمأوى من الحقوق والواجبات التي ينبغي على الأب أن يوفرها لأبنائه ، ومع هذا لا ننكر العمل الجبار الذي يقوم به الآباء في توفير سبل الراحة والعناية لأبنائهم ، وبالمناسبة أنا لا أشجع العقوق أبدا وبالمقابل لست مع الظلم والاستعباد والاستبداد ، ولكني بالطبع مع الحياة الوسطية الكريمة الهادئة . لا تكن الدنيا والمادة منتهى كل أب بل يجب أن يطلب الجنة بما يعمله في الدنيا من فعل الخيرات سواء كان ذلك من خلال تربيته لأبنائه أو من خلال تعاملاته مع الخالق والخلق . وقد حذر الرسول عليه الصلاة والسلام من التنافس في الدنيا، وبين عاقبة ذلك بقوله مخاطباً المسلمين "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" قال ابن قدامه رحمه الله في المغني : وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما أخذه ومع عدمها، صغيراً كان الولد أو كبيراً، بشرطين: أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضرَّ به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته. الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر، نص عليه أحمد أه . وفي واقع البشر اليوم بلغ حب الدنيا مبلغه حتى طغى على حب الدين وأفسده وهذا ما حذر منه عليه الصلاة والسلام بقوله: "ليغشين أمتي من بعدي فتنة كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل" ( لابد أن نصوغ الأب المسلم من جديد، قبل بناء العمارات وإنشاء الشركات وتنظيم الحياة المادية، ونعيد إليه شخصيته المسلوبة وإنسانيته الضائعة وتحريره من عوامل الطمع والجشع كي نضعه على طريق الإنسانية من جديد ) ولذا لزاما علينا كآباء أن نعيش الصورة التربوية الصحيحة وفقاً لنظام الأسرة الداعم للعلم والإنتاج ثم الحرية المقيدة في الحقوق المادية .ويجب علينا استشعار الأمانة التي تقلدتها أعناقنا. أخيرا أيها الأبناء : مهما كان حال الوالد فإن حقه في البر لا يسقط بأي حال من الأحوال ولا تنسوا أنه باب من أبواب الجنة . قال أبو الدرداء : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " الوالد أوسط أبواب الجنة ، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو أحفظه " فمن كان له أب فليجتهد لبره ، ليسكن بذلك عالي الجنان بإذن الله . دمتم بخير وعلى خير ، والسلام . أخوكم : طلال الثبيتي