أيها الوالد بالأمس القريب فقدت أسرتنا رئيسها وعائلها الكريم ألا وهو أنت الذي اختارك الله تبارك وتعالى إلى جواره الكريم . أيها الوالد ..لقد فقدتك وكلي حزن وأسى على هذا الفقد الجلل الذي لم يمر عليَّ مثله قبلك وقبل أن نفقدك ، ولله في خلقه شؤون. لقد فرق بيني وبينك الموت وهو حق منه تعالى على كل حي بعد أن يعيش مدة محدودة في هذه الدنيا الكونية. فالفراق صعب والعدم أصعب، حيث غبت عني وكنت العائل لنا أنا وأخوتي ، وبالأمس القريب كنا لانزال نتمتع بقربك، وحنانك وبرك بنا وبأسرتنا وعائلتنا الكبرى. أما اليوم فقد عدمناك ولا اعتراض على قدر الله سبحانه وتعالى..إنما أشعر بعد فراقك وفقدك بألم وحزن شديدين جعلاني أفقد كل شيء من الرحمة والرأفة إلا من الله جل وعلا الذي خلق الموت والحياة. لم أصدق عندما نعاك الناعي ، وقلت غير معقول ! فقد كنت بجوارك قبل قليل، وكنت أسمع خواتيم حديثك لي ولأخوتي وأنت توصينا كالعادة بالتكاتف والتآلف والبر والإحسان مع كل الناس ، لا مع أسرتنا فحسب. فالحياة واسعة شاسعة وفي ميادينها ومجالاتها ، أشياء كثيرة لابد أن نقضيها بعد أن أوصيتنا على الذي هو من حقك علينا أنا وأخوتي وأسرتي، وتأكد أننا سنكون متلازمين كما لو كنت لاتزال بيننا حياً!. ولا ننسى وسوف لن ننسى إن شاء الله وصيتك لنا بالبر والتقوى والإحسان بعضنا ببعض، وثق أننا كلنا على العهد الذي كنا عليه طيلة حياتك ومعاشك بيننا، الأمر الذي لابد منه. إذ كلنا أبناؤك وأقرباؤك الذين أحببتهم وأحبوك وبررت بهم، والآن هم يبرون بك بالدعاء إلى الله أن يجعل كتابك في عليين عند مليك مقتدر في جنات ونهر برحمة الله ورضوانه تعالى. إن الفراق حق، والموت حق ، والجنة حق ، ونحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلك ممن كتب الله لهم أن يرزقهم بدخول جنته ، أما في البرزخ فندعو الله أن يجعل من قبرك روضة من رياض الجنة بفضل الله ومنه وإحسانه ورحمته ورضوانه. لقد تذكرت حياتك وكأنني أقرأ كتابا صفحة بصفحة في كل منها صورة من عطائك وبرك وعملك الذي قدمته في سبيل الله ، فأنت من مكة وأهلها ، وأهل مكة هم أهل الله كما ورد في الأثر ، وعلي أن أسير كما أوصيتني أنا وأخوتي في ذات السبيل التي كنت تسير عليها. ونحن بإذن الله لن نعصي لك أمراً، فقد سمعنا وأطعنا نصيحتك لأنها تحتوي على الصدق والوفاء والإخاء للوالدة ولنا جميعا الذين عرفنا كيف كنت بيننا أمينا وسائراً في طريق الحقيقة والبر والإحسان. والله نأمل وندعو أن يجعل عملك صالحا في الدنيا والآخرة وأن يتغمدك برحمته تعالى وأن يبرنا بك وبوالدتنا لأن وصيتك لنا جميعا قد صدقناها لكأننا نرى ألفاظ الصدق التي وفقك الله أن قلتها لنا في هذه الوصية الجميلة الوفية الصادقة. فالله ندعو أن يرحمك وأن يدخلك برحمته تعالى في جنات النعيم..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(إنا لله وإنا إليه راجعون).