تتعدد الاتجاهات والأساليب في فنون الأمم السابقة وفي الفن الحديث وتتشعب الى تشعبات كثيرة، وبالرغم من هذا التشعب والتعدد يمكن تقسيمها في الفن عامة، والفن التشكيلي خاصة إلى نوعين أساسيين كما يقول الفنان زهير بن محمد عبدالله مليباري والنوع الأول: يتصل بالمفهوم التمثيلي أو الواقعي، حيث يوظف الشكل الذي يحمل دلالات من الطبيعة، وهو ما نطلق عليه الشكل التمثيلي وهذه النوعية بدورها تنقسم إلى قسمين خاصة في مجال التصوير: أ هي الأشكال التي تمثل الطبيعة بطريقة شديدة الوضوح والواقعية، بمعنى لانخطئ في التعرف على هذه الأشكال. ب هي الأشكال التي تمثل الطبيعة ولكنها محورة أو مبسطة أو ملخصة تلخيصاً شديداً ولكن يمكن لنا التعرف عليها رغم هذا التبسيط ويطلق على هذه الأشكال: أشكال نصف تمثيلية، أو نصف تجريدية ويتضح لنا ذلك في أعمال الفنان بول كلي، وجون ميرو، ومعظم رسوم الأطفال. النوع الثاني: يتعلق بالمفهوم الذي تستثمر فيه طاقات الشكل المجرد والهندسي، حيث يوظف الشكل الذي لا يحمل أي دلالات من الطبيعة، بمعنى أننا لانتعرف على كنه هذه الأشكال وصلتها بالطبيعة، مثل أعمال مندريان وكندنكسي. ومن خلال هذا علينا أن نبدأ تفسير المقصود بالتجريد والتعرف عليه، هذا المفهوم الذي يكتنفه الكثير من الغموض لدى الفنانين والجمهور على حد سواء. أولاً: مفهوم التجريد في الفن: إذا أخذنا مفهوم التجريد الذي يتصل بالأشكال التي تحمل دلالات واقعية، نجد أن معظم الفنون القديمة والحديثة تتصف بالتجريد. فالفنان مهما بلغت دقته في نقل عناصر الطبيعة لا يستطيع أن يحاكيها بشكل واقعي، (باستثناء الصورة الفوتوغرافية) فالفن الذي يحاكي الطبيعة يختلف عن مطابقة الواقع. وعلى هذا الأساس من الابتعاد عن الواقع. يصبح العمل الفني عمل مجرد. وبهذا يصبح كل عمل فني يتصف بالتجريد فالتصوير في الفن التشكيلي عامة (سواء قديماً أو حديثاً) ماهو إلا تعبير وترجمة أو تلخيص أو تبسيط أو تحوير لعناصر الطبيعة ومهما كانت قدرة الفنان على المطابقة الواقعية، فلا بد أن يتدخل حسه ومشاعره وذاتيته في العمل الفني، بهدف الوصول إلى تناسب علاقاتها أو أجزائها وتمثيل عمومياتها، بهذا فإن التجريد في الفن هو مجرد محاولة لتجريد الطبيعة من عناصرها التفصيلية، والاكتفاء بالتعبير عن الجوهر، أي استبقاء ما هو جوهري وأساسي أو ماهو ثابت وباقٍ، فالموضوع أو الطبيعة محورة أو مصاغة بصياغة جديدة مجردة من تفصيلاتها الأساسية للوصول إلى التعبيرات الجوهرية للبناء الشكلي، دون أن تفقد الأشكال دلالاتها الطبيعية. وهذا المفهوم للتجريد في الفن يتحقق بنسب ودرجات متفاوتة في الاتجاهات والأساليب الفنية المختلفة، ويعني ذلك أن العمل الفني هو صورة مختلفة في بعض جوانبها وتفاصيلها عن الأشكال الأصيلة في الطبيعة فالموضوع أو الطبيعة تمثل نقطة البداية عند الفنان وتمثل الانطلاقة كما تمثل النهاية أيضاً. غير أن بعض الاتجاهات التشكيلية مثل التكعيبية قد تلخصت واختزلت الأشكال إلى درجة كبيرة وابتعدت بها عن دلالاتها الواقعية المعروفة، مما يصعب معه التعرف على صلتها بالطبيعة، فجعل نقاد الفن يطلقون عليه مصطلح (أشكال نصف تمثيلية أو نصف تجريدية) وذلك بتمثيل تحوري هندسي للعنصر الواقعي. ثانياً: مفهوم الفن المجرد: إن مفهوم التجريد في الفن يختلف كلية عن مفهوم الفن المجرد أو الفن التجريدي فالأخير يستثمر طاقات الشكل المجرد ولا يهدف إلى تصوير الطبيعة سواء كان الشكل هندسياً أو انسيابياً أو ثلاثي الأبعاد أو مسطح أو مجسم، فهو ذلك الشكل الذي تحرر كلية من تمثيل الواقع ولايحكي فيه الفنان أي دلالات طبيعية، فالشكل الذي يبدعه الفنان لايهدف إلى تصوير شيء معين ولايمثل سوى قيمته الجمالية، التي تنبثق عنها الخطوط والمساحات والألوان كعناصر تشكيلية مصاغة بصياغات جديدة مثلها في ذلك كقطعة موسيقية تمثل أصوات وأنغام ليست لها دلالات واقعية نستدل بها عليها، ولكن نستشعر بمعانيها وأحاسيسها من خلال تركيب الأنغام والايقاع الموسيقي. إن فن التجريد يهدف إلى إحداث تأثير جمالي خالص أو مطلق ينتج عن تنظيم الأشكال الخالصة والبعيدة عن ارتباطها بدلالات واقعية مباشرة ويقوم على إيجاد علاقات ايقاعية في الخط والمساحة والكتلة كقيمة فنية خالصة.