كلما حل المساء وأشرقت شمس يوم جديد توجهت الأبصار ونطقت الألسن لبيك يامكة الخير كم نحن مشتاقون إليك صور أراها مرتسمة على محيا الحجاج والمعتمرين القادمين من أقصى الشمال والجنوب من الذين أتشرف بخدمتهم وأولئك الذين ألتقي بهم. شوقهم لمكةالمكرمة وبيت الله الحرام لا يعادله شوق ولا توازيه محبة فمكةالمكرمة في عقولهم رسمت وفي قلوبهم حفظت أحبوها كمهبط لخاتمة الرسالات ومنبع للإسلام الدين الذي ساوى بين فقير معوز وثري مسفر وبين أسود كقرنية العين وأبيض كثلج يتساقط . أحبوك يا مكة لأنك جعلت الجبار بأرضك ذليلا وحنى المتكبر رأسه خوفا منك وسكبت دموع المشتاقين إليك يوم لامست أقدامهم ثرى ترابك الطاهر فيا مكة الخير والحب ضمني وسط أحشائك يوم رحيلي وكوني الحافظة لجسد بال تحت ثراك . أتذكرك يا مكة كلما غادرت ترابك الطاهر سائحا أو زائرا وأتذكر معك طفولة نشأت ورجولة اكتملت لكن قلبي العاشق لك يصاب بألم يوقف نبضاته كلما رأيت مشروعا يمتلكه أحد أبنائك قائما خارج أرضك وكلما قرأت عن عالم أو أديب غادر ترابك الطاهر بحثا عن شهرة أو مال خارج أرضك . أتألم حينما أسمع عن صراعات مقاعد بين أبنائك داخل أي من المؤسسات الخدمية أو الرياضية أتألم كلما رأيت بين أبنائك من يسعى لهدم تراثك بحثا عن حضارة قادمة من خارج أرضك . أتألم كلما دعيت لمناسبة وقيل أن موقع إقامتها خارج مكة لأن مكة لا تملك صالات مناسبة أو فنادق جيدة تليق بالمناسبة لماذا أنت هكذا مظلومة يا مكة؟. لماذا نرى أبناؤك وقد غادروا ترابك بحثا عن إضاءة إعلامية أو زيادة ربحية؟. ألم يقرأ أبناؤك قول الرسول صلى الله عليه وسلم { إني لأعلم أنكِ أحبُّ البلاد إليَّ، وأنكِ أحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنَّ المشركين أخرجوني منك ما خرجت!» ولم يقرأ أي منهم قول عائشة رضي الله عنها {لولا الهجرةُ لسكنتُ مكة، فإني لم أرَ السماء بمكان أقربَ إلى الأرضِ منها بمكة، ولم يطمئنَّ قلبي ببلد قطُّ ما اطمأنَّ بمكة، ولم أرَ القمر بمكانٍ أحسنَ منه بمكة!». وهذه واحدة من أقدم القصائد وأجملها التي قيلت فيك يا مكة ويقال إنها لمضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي والبعض ينسبها إلى عمرو بن مضاض وقائلة والدمع سكبٌ مبادر وقد شرقت بالدمع منها المحاجرُ كأن لم يكن بالحجون إلى الصفا أنيسٌ ولم يسمر بمكّة امرُ ولم يتربع واسطاً فجنوبه إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضرُ فقلت لها والقلب منّي كأنّما يُلجلجه بين الجناحين طائر بلى نحن كنا أهلها فأزالنا (وتروى فأبادنا) صروف الليالي والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابتٍ بعزٍّ فما يحظى لدينا المكاثر ملكنا فعزّزنا فأعظم بملكنا فليس لحيٍّ غيرنا ثمَّ فاخر ألم تنكحوا من خير شخصٍ علمته فأبناؤه منّا ونحن الأصاهر فإن تنثن الدنيا علينا بحالها فإنّ لها حالاً وفيها التشاجر فأخرجنا منها المليك بقدرةٍ كذلك ياللناس تجري المقادر أقول إذا نام الخلي ولم أنم اذا العرش لا يبعد سهيل وعامر وبدلت منها أوجهاً لا أحبها قبائل منها حمير ويحابر وصرنا أحاديثاً وكنا بغبطةٍ بذلك عضتنا السنون الغوابر فسحّت دموع العين تبكي لبلدةٍ بها حرم أمنٌ وفيها المشاعر وتبكي لبيتٍ ليس يؤذي حمامه يظلّ بها أمنا وفيه العصافر وفيه وحوش لا تُرابُ أنيسةٌ إذا خرجت منه فليست تغادر